top of page

الجنائن المعلقة.... بين الحقيقة و الخيال

علي طالب

يردنا اول ذكر عن الجنائن المعلقة من نصوص الممؤرخ البابلي بيل رئيشو و هو اشهر مؤرخ بابلي معروف الاسم و الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد اي فترة السيطرة السلوقية على بلاد الرافدين يعرفه اليونان بأسم بيروسس و بالارامية برعوشا (او برحوشا) الف كتابا تأريخيا اسماه بابل (او بابلونيا باليونانية) كتبه باللغة اليونانية، يؤرخ هذا الكتاب لتاريخ بابل من الخليقة و حتى موت الاسكندر في بابل و قيام الدولة السلوقية بقيادة القائد المقدوني سلوقس، يشير بيل رئيشو الى انه استند في تأريخه الى المصادر القديمة المحفوظة بالمعابد البابلية فهو نفسه كان كاهنا في بمعبد بيل و حتى اسمه (بيل رئيشو) (بيل راعيه)، للاسف لم يتم العثور على كتابه و كان الاستدلال عليه من خلال ما ذكره المؤرخون الاقدمون عنه و ما اقتبسوه من شذرات و كان بيل رئيشو اول من ذكر الجنائن المعلقة و هو الوحيد بين أولئك الذين تكلموا عنها نسب بناءها الى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني. تعالوا نقرأ ما قاله عنها:

 

" عندما حصن نبوخذنصر المدينة بشكل مثير للأعجاب، و زين البوابات بصورة مذهلة، أضاف قصرا جديدة لتلك التي سكنها آباؤه (من قبل)، جاورها (في المكان) لكنه فاقها روعة و عظمة، و أي محاولة لوصفه ستكون صعبة، مع ذلك و بغض النظر عن عظمته و روعته فأنه بني بخمسة عشر يوما. في هذا القصر، أقام مماشي عالية جدا، مدعومة بأعمدة حجرية، و عن طريق زراعة ما عرف بالجنة المتدلية، و (التي) جددها بكل انواع الاشجار، قدم مشهدا طبيعيا  محاكيا تماما للبلدان الجبلية، فعل ذلك كله لأرضاء ملكته، ذلك انها كانت قد نشأت في ميديا، وكانت مولعة بالطبيعة الجبلية " .

 

وردنا هذا النص عن طريق المؤرخ الروماني يوسفوس من القرن الاول قبل الميلاد في كتابه (آثار اليهود) و الذي اشار الى ان بيروسس ذكر ذلك في العام 290 قبل الميلاد في كتابه بابلونيا، ثم يعلق يوسفوس على ذلك قائلا:

 

" هذا ما ينسبه بيروسس الى الملك المذكور (نبوخذنصر)، كما و  ينسب الكثير من الامور الاخرى لهذا الملك في المجلد الثالث من كتابه التاريخ الكلدي (بابلونيا)، و هنا هو يشتكي من الكتاب الاغريق الذين فرضوا، دون اي اساس، ان بابل بنيت من قبل سميراميس، ملكة آشور. و من الأدعاء الكاذب (لدورها) في هذه الصروح الرائعة لمبان بابل. هذا تناقض (في السجلات) القديمة، (التي تشير بعضها) الى نسبة (هذه الاعمال) لها (اي لسميراميس)، التاريخ الكلدي لا يمكن ألا ان يكون المصدر الاكثر مصداقية بينها. "

 

نلاحظ هنا كيف ان يوسفوس يوافق بيل رئيشو فيما ذهب اليه و يعتبره الاكثر مصداقية بين أولئك الذين كتبوا عن بابل، لربما لكونه الاقدم او لكونه بابليا و لربما لاعتماده على المصادر المسمارية المحفوظة في معابد بابل.

 

هنا يرد اول ذكر للجنائن المعلقة و ينسب بناءها الى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني في حدود القرن السادس قبل الميلاد (العصر البابلي الاخير) و يعزى سبب بناء هذه الجنائن هو أرضاء لزوجة الملك البابلي المعروفة بأسم (أميت) او (اميتس باليوناينة) و التي حنت الى طبيعة بلدها الام اذ كانت ابنة الملك الميدي (سياخاريس) و الساكنة في مملكة ميدية الجبلية شمال العراق. تزوجها نبوخذنصر عندما كان قائدا للجيش البابلي في عهد والده الملك نبوبلاصر الذي اقام تحالفا قويا مع الميدين للقضاء على الدولة الآشورية و الذ على ضوءه تزوج نبوخذنصر من اميت.

 

هذا هو النص التأريخي الوحيد الذي يربط نبوخذنصر بالجنائن المعلقة

و ينسبها اليه.... كما اورد مؤرخون آخرون ذكرا للجنائن المعلقة وهم:

 

  • ديدور الصقلي (القرن الاول قبل الميلاد)

  • سترابون (14 قبل الميلاد – 19 ميلادية)

  • كور تيوس روفس (القرن الاول الميلادي)

 

سنترجم و نتناول كل ما قالوه عن الجنائن المعلقة لنقف على اكثرهم صحة

و دقة ....

الصورة الى اليسار لتمثال المؤرخ الروماني يوسفوس الذي نقلنا عن كتابه (آثار اليهود) ما كتبه المؤرخ البابلي بيل رئيشو
 

رأينا كيف تناول يوسفوس رأي بيل رئيشو في الجنائن المعلقة ويجدر الاشارة الى ان بيل رئيشو اطلق عليها اسم (الجنة المتدلية) و في معرض حديثنا عن الاخبار الاول للجنائن المعلقة لابد من التعريج على آراء المؤرخين الأوائل الذين منهم تعرفنا على ذلك الصرح العظيم ..... و بعد ان تناولنا امس رأي بيل رئيشو و يوسفوس ننقل لكم اليوم رأي المؤرخ اليوناني ديدور الصقلي الذي عاش في القرن الاول قبل الميلاد والذي لربما كان قد اقتبسه عن المؤرخ اليوناني كتسياس الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد يقول ديدور الصقلي بهذا الخصوص:

 

" و الى جانب الأكروبوليس (الاسم اليوناني للمدينة العليا او المحصنة) كان هناك ايضا، الجنائن المعلقة، كما تدعى، و التي لم تكن قد بنيت من قبل سميراميس، لكن من قبل ملك سوري لاحق لإرضاء إحدى محظياته، وذاك لكونها - كما يقولون - فارسية الأصل حنت الى مروج جبالها، و طلبت من الملك ان يحاكي من خلال زراعة حديقة المناظر الطبيعية المميزة لبلاد فارس، امتد المنتزه اربع بليثرون (وحدة قياس يونانية تقارب الـ 30 متر) من كل جانب، و كما تقترب من الحديقة تنحدر مثل التلال و الأجزاء المتعددة للهيكل ترتفع واحدة من الأخرى، طبقة على طبقة، الشكل الكلي يشبه المسرح. عندما تم بناء المصاطب المرتفعة تم تصميم منصات حملت كل وزن الحديقة المزروعة و الورود شيئا فشيئا واحدة فوق الأخرى و هكذا على طول النهج. و المنصة العلوية التي كان ارتفاعها خمسون ذراعا، كانت السطح الاعلى للمتنزه و التي بنيت بمستوى جدار سور المدينة. و علاوة على ذلك، الجدران و التي كانت قد صممت بنفقة كبيرة، كانت بسمك اثنين و عشرين قدما، في حين كان الممر بين كل جدارين بعرض عشر اقدام، السقوف فوق هذه الممرات تكونت اولا من طبقة من القصب طمرت بكميات كبيرة من القار، فوق هذا طبقتين من الطوب المشوي مربوطة بالسمنت؟، و كطبقة ثالثة مغطية من الرصاص، حتى النهاية رطوبة التربة لن تتسرب الى الاسفل. فوق كل هذا مرة اخرى تراكمت التربة على عمق كاف لجذور اكبر الاشجار، و على الارض التي سويت، زرعت بكثافة اشجار من كل الانواع و التي من خلال حجمها الكبير او سحر آخر تمتع الناظر، و لما كانت  المصطبات واحدة خلف الاخرى وصل الضوء الى كلها، و احتوت العديد من المساكن الملكية بكل الأوصاف. و كانت هناك مصطبة واحدة تحتوي على فتحات واسعة من السطح العلوي و آلات لتزويد الحدائق بالماء، آلات رفع الماء (رفعته) بوفرة من النهر، على الرغم من ان لا احد من الخارج يمكن له ان يرى هذه الآلية، الآن هذا المنتزه كانت قد بنيت كم قلت كان قد بني في وقت لاحق "

 

الآن ما يمكننا ان نستشفه من قول ديدور و رأي بيل رئيشو و يوسفوس ان ه كان هناك رأي شائع ان سميراميس هي من بنت هذه الحدائق و لربما كانت هناك اراء كثيرة سبقت هؤلاء الثلاثة في نسبها الى سميراميس لينبري هؤلاء الثلاثة لتكذيب هذا الادعاء .... و في رأي ديدور نستطيع ان نرى تطابق القصة التي بسببها بنيت الجنائن المعلقة لزوجة الملك مع اختلاف الشخوص و يرد هنا لاول مرة وصف لهذه الحدائق التي اعطت الآتي:

 

  • 1- مساحة الحدائق هي 14400 متر

  • 2- الحديقة على شكل تل

  • 3- تتكون الحديقة من طبقات ترتفع الواحدة فوق الأخرى

  • 4- الحديقة تشبه المسرح (اي نوع من التدريج الذي نشهده في المسارح اليونانية)

  • 5- ارتفاع اعلى منصة يصل الى خمسين ذراعا (ما يقارب الاربعين مترا) و هو ذات الارتفاع لسور المدينة

  • 6- جدران هذه الحدائق التي زينت بكلفة عالية لها من االسمك 22 قدما (ما يقارب الست امتار)

  • 7- ممرات الحديقة كان بعرض عشر اقدام (ثلاث امتار)

  • 8- هذه الممرات كانت مغطاة بثلاث طبقات من القصب و القار، و طبقة ثانية من الطوب و التي بغرابة تذكر الترجمة الانكليزية لنص ديدور ترتبط بالاسمنت والتي قمنا بترجمتها حرفيا، و الثالثة طبقة من الرصاص تمنع تسلل الرطوبة تليها كميات من التراب غرست فيها الاشجار.

  • 9- زودت الحدائق بما تحتاجه من التراب لتتسع لجذور اكبر الأشجار

  • 10- زودت الحديقة بأشجار من كل الانواع و بكثافة

  • 11- صممت الحديقة بطريقة تسمح للضوء ان يصل الى كل المصاطب

  • 12- احتوت الحدائق على مساكن ملكية

  • 13- كانت المياه ترتفع الى قمة الحدائق بآلات ترفع المياه من النهر و لهذا لابد كان

  • موقع الحدائق قرب النهر

  • 14- صممت هذه الآلات بطريقة لا يراها الزائر.

 

هنا بدأت ترتسم الصورة شيئا فشيئا عن هذا الصرح العظيم و مع اكمــــــال باقي الآراء

التي اوردها المؤرخون عن هذه الجنائن المعلقة سنحاول ان نوحد هذه الرؤى عن طريق

النقاط المشتركة لهم .......

صورة للمؤرخ ديدور الصقلي

مصدرنا الرابع بعد بيل رئيشو و يوسفوس و ديدور هو المؤرخ اليوناني سترابون الذي عاش في الفترة (64 قبل الميلاد) الى (21 ميلادي) و الذي وصف الجنائن المعلقة كسابيقه مستندا الى وثيقة اقدم للمؤرخ أونيزيكريتس تعود للقرن الرابع قبل الميلاد يقول سترابون:

" تقع بابل في سهل، محيط جدرانها هو 385 ستاد (وحدة طول يونانية مختلف في تحديدها على الكثر هي محصورة بين 150 الى 170 متر)، سمك جدرانها 32 قدم ولذلك كان ارتفاع (الجدران) بين الابراج 50 ذراعا، في حين كانت الابراج على ارتفاع 60 ذراعا، و الممرات فوق الجدران كانت كافية لتسير فيها اربع عربات تجرها الخيول جنبا الى جنب و بسهولة، و من اجل هذا و الجنائن المعلقة عرفت بابل على انها واحدة من عجائب العالم السبعة، الحدائق مربعة الشكل، و كل جانب منها يساوي اربع بليثرون (وحدة قياس يونانية تقارب الـ 30 متر)، تتكون من اقبية مقوسة تترتب واحدة تلو الاخرى على مصطبات ذات اساسات مكعبية، تلك الاساسات كانت مجوفة لتملأ عميقا بالتراب فتتحمل الاشجار الضخمة، الاساسات و الاقبية و الاقواس بنيت من الطوب المشوي و الأسفلت، يتم  الصعود الى الشرفات العليا عن طريق سلالم، و الى جانب السلالم هناك لوالب و التي من خلالها كانت المياه ترفع بأستمرار الى الحدائق من الفرات عن طريق أولئك المعينين للقيام بهذه المهمة، حيث النهر الذي بعرض ستاد واحد يجري في وسط المدينة و الحديقة هي على ساحل النهر. "

 

هكذا يصف سترابون الجنائن المعلقة و يضيف الى معرفتنا النقاط التالية:

 

1- اول ذكر للجنائن المعلقة كعجيبة من عجائب العالم السبعة

 

2- اول ذكر تفصيليل لآلية رفع المياه حيث يتكلم عن انابيب لولبية (و التي سنتكلم عنها بالتفصيل مستقبلا) لترفع المياه الى الحدائق

 

3- يتم تحديد النهر لاول مرة هنا بالاسم (الفرات)

 

4- يشير الى ان هناك موظفين مهمتهم ادارة هذه اللوالب لرفع المياه على مدار اليوم

 

 

طيب ماذا قال كور تيوس روفس (القرن الاول الميلادي) عن هذه الجنائن؟

و في القرن الاول الميلادي ذكر المؤرخ الروماني كورتيس روفس مقتبسا من المؤرخ اليوناني قلايتارخوس أحد مؤرخي الأسكندر المقدوني و الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد واصفا الجنائن المعلقة باتالي:

 

 

" للبابليين ايضا حصن محيطه عشرين ستادا (وحدة طول يونانية مختلف في تحديدها على الكثر هي محصورة بين 150 الى 170 متر)، اساسات هذا الحصن امتدت الى ثلاثين قدما تحت الأرض و ارتفعت ثمانين قدما فوق سطحها عند أعلى نقطة، على قمة هذا الحصن كانت الجنائن المعلقة، العجيبة التي تغنت بها اساطير اليونان،  ارتفاعها كأرتفاع جدران (الحصن) و تدين بسحرها للظلال الوارفة لعديد الاشجار الطويلة، الأعمدة التي تدعم هذا الصرح بالكامل بنيت من الصخر، قمم هذه الأعمدة سطح مستوي من الاحجار المربعة، قوية بما يكفي لتحمل طبقات التراب العميقة الموضوعة عليها و المياه التي تستخدم لإروائها. ضخمة هي الاشجار التي يسندها الهيكل يصل سمك جذعها الى ثمانية اذرع و ارتفاعها خمسين قدما، تؤتي هذه الأشجار ثمارها بوفرة كما لو كانت قائمة في بيئتها الطبيعية، و على الرغم من ان الزمن و فعله التخريبي مدمر لعمل الطبيعة كما للانسان، فأن هذا الصرح يبقى بلا ضرر، على الرغم من تعرضها لضغط كبير بسبب جذور الاشجار العديدة و وطأة حمل غابة ضخمة، فان لها بنى تحتية من جدران بسمك عشرون قدما بارتفاع احد عشر قدم للطبقة، و لذلك يعتري الناظر من بعد انطباع رؤية غابة تتدلى من موطنها الجبلي الاصلي. تقول الاخبار ان هذه الجنائن من صنع ملك سوري حكم من بابل، بناها حبا بزوجته التي حنت الى الغابات في هذا البلد المستوي السطح فأقنعت زوجها في ان يحاكي جمال الطبيع ببناء هيكل بهذا الشكل. "

 

 

هنا نأتي الى نهاية ما اورده اقدم المؤرخين في الحدائق المعلقة و يبقى من الواجب المرور على ما ذكره المؤرخ اليوناني الاحدث نسبيا فيلو البيزنطي و الذي عاش في القرن الخامس الميلادي عن هذه الحدائق و الذي يعود اليه الفضل في تسجيل عجائب الدنيا السبع للعالم القديم ......

الصفحة الاولى من كتاب المؤرخ الروماني كورتيس روفس الموسوم تأريخ الأسكندر و الذي ورد فيه النص اعلاه المتعلق بالجنائن المعلقة.

اورد فيلو البيزنطي المؤرخ اليوناني في القرن الخامس الميلادي قوله عن الجنائن المعلقة في مطلع حديثه عن عجائب العالم السبع:


" لمايعرف بالجنائن المعلقة نباتات فوق الأرض، يتم زراعتها في الهواء و جذورها ترتفع على شرفات مكونة سقوفا تنتصب تحتها اربع اعمدة حجريــــــــــة، فيتكون مكان فسيح تحت ارض صناعية تحملها تلك الأعمدة المنحوتة، اشجار النخيل تقع على قمم الاعمدة حيث رصت جنبا الى جنب كحزم متشابكة تاركة بينها فراغات صغيرة جدا، لا يصيب العفن خشب (اشجار النخيل) كما هو حال باقي الاشجار، حيث مع تعرضها للضغط فان انحنائتها تزود الجذور بالغذاء، فتجمع طياتها و اخاديدها الكثير من المواد،. تراكمت التربة بكثرة و عمق، و زرعت اشجار ذات اوراق عريضة و حديقة تنوعت فيها الاشجار، و النباتات المزهرة، كل شيء، و بأختصار زرعت النباتات الاكثر متعة و جمال للناظر. تتم زراعة المكان كما لو كانت الارض ارضا طبيعية، هذه الاراضي الزراعية تقع فوق رؤوس أولئك الذين يتنزهون بين الأعمدة. و حتى عندما يمشى على السطوح العلوية (والتي هي سقوف الطبقة السفلى) فأنها تبقى ثابتة دون ان تتزحزح مثلها مثل الارض الطبيعية بتربة ضاربة في العمق. تتزود فيها القنوات المائية بالماء المنصب من اعلى الاماكن، حيث تسمح هذه القنوات جزئيا للمياه بالتدفق بسهولة مباشرة نحو الاسفل، و جزئيا تجبرها على الصعود نحو الاعلى مرة اخرى عن طريق اللوالب.و عن طريق ضغط ميكانيكي تجبر هذه اللوالب الحلزونية المياه لتلتف مرارا و تكرارا هنا و هناك، ثم يتم تصريفها الى خزانات مغلقة وصهاريج كبيرة، معا تروي هذه المنظومة حديقة كاملة. تغمر المياه الجذور حتى العمق محافظة على رطوبة التربة و تبقى الارض صالحة للزراعة، و تظل مروجا دائمة الخضرة، و اوراق الاشجار الجديدة تتغذى على قطرات الندى و تظهر عليها حركة الرياح. اما الجذور فلا تعاني من العطش،  بل تنبت من جديد عند مرور المياه بها، فتنتشر الجذور عشوائيا، تتشابك في عمق التربة و تشترك في نقطة ما فتحمي الاشجار النامية. هذا الصرح هو من اعمال ترف الملوك، و مايزيده روعة هو العمل الشاق لزراعة حديقة معلقة فوق الرؤوس. "

 

طيب ماذا عن سميراميس ؟؟ من قال انها هي من بنت الجنائن المعلقة؟ و ماذا قيل عنها؟

الصورة الى اليمين لمقدمة كتاب المؤرخ فيلو البيزنطي  تحوي ما ترجمته:

 

 

" سمع الجميع عن كل واحدة من عجائب العالم السبعة، لكن قليل أولئك الذين رؤها كلها بأم أعينهم، فقط ان سافرت حول العالم و انهكت جزاء جهد الرحلة سترضي رغبتك في رؤيتها كلها، لكن عندها ستكون عجوزا...... بل ستكون عمليا ميت "

رأينا كيف ذكر المؤرخون الجنائن المعلقة و وصفوها و رأينا كيف انبرى بيروسس و يوسفوس و باقي المؤرخين ليؤكدوا انها لم تبن من قبل سميراميس .... اذا من قال ان سميراميس هي التي بنتها؟ انه كتسياس المؤرخ اليوناني الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد و كنا قد ذكرناه في الجزء الثاني حين نوهنا الى ان ديور الصقلي قد اقتبس منه وصفه للجنائن المعلقة.

 

اذا ماذا قال كتسياس:

 

" لقد جعلت (اي سميراميس) سورها الخارجي بطول سبع اميال، و بنت جدرانها العالية من الطوب المشوي دون مبالاة بالتاكليف، داخل هذا السور بنت سورا اخر، و قبل ان يشوى الطوب الخاص بهذا الجدر تم نحت أشكال جميع انواع الحيوانات عليها، و كانت هذه الحيوانات ملونة ببراعة الى درجة انها بدت حقيقية. كان طول هذا الجدار حوالي الخمسة اميال و بعرض ثلاثمائة آجرة و أرتفاع ثلاثمائة قدم، و لها ابراج بأرتفاع اربعمائة و عشرين قدم. داخل هذا كله كان جدار ثالث احاط بقلعة لها من المحيط ميلين و نصف الميل، أرتفاع و عرض هذا الجدار كان اعظم حتى من ارتفاع الجدار الوسطاني، عليه و على ابراجه نحتت مرة أخرى حيوانات من كل نوع مرسومة باتقان و ملونة بواقعية لتمثل لعبة صيد كبيرة متكاملة، هذه الحيوانات كانت بأرتفاع ست اقدام، و كانت صورة شخصية لسميراميس قد نحتت وسطها وهي تهجم و تطعن بالرمح نمرا، الى جانبها نحت زوجها (نينوس) وهو يطعن اسدا بالقرب منه برمحه.

الى جانب القلعة كان الصرح الذي عرف بالجنائن المعلقة، و كانت هذه الجنينة المشجرة مربعة الشكل بجوانب بلغت من الطول اربعمائة قدم، منحدرة الشكل كالتلال مع شرفات بنيت على شرفات كما تلك في المسرح، و خلال بناء الشرفات بنيت تحتها منصات حملت كل وزن الحدائق، كل واحدة منها ارتفعت قليلا عن الأخرى نحو الأعلى، المنصة العليا و التي كانت على ارتفاع 75 قدم شكلت الدعامة لأعلى مستوى من مستويات الحدائق. و كان اتفاعها ذاته ارتفاع اسوار المدينة. جدران هذا الهيكل و التي كلفت ثروة طائلة كانت بسمك اثنين و عشرين قدما، وكانت مفصولة بممرات عرضها عشر أقدام. كانت المنصات مسقفة بأعمدة ارتفاعها ستة عشر قدما و لها من العرض اربعة اقدام، فوق هذه الاعمدة كان هناك اولا طبقة من القصب مغمورة بالقار، بعدها دورين من الطوب المشوي المربوط بالسمنت. و بعد ذلك طبقة ثالثة مغطية من الرصاص لتمنع اي رطوبة تترسب من التربة. فوق هذه الطبقات تراكم التراب بعمق كاف ليحمل جذور أكبر الأشجار، و عندما سوت هذه التربة، زرعت الحديقة بكل انواع الاشجار التي بدت للناظرين اما بحجمها الضخم او بجمالها الآخاذ. و بسبب ترتيبها كانت كل المنصات معرضة للضوء، أحتوت على اماكن سكنية ملكية، احدى المنصات احتوت على محاور تصل الى اعلى المستويات و تتصل بآلية لرفع المياه بكميات كبيرة من النهر لتروي به الحدائق. هذه الآلية كانت مغلقة بالكامل، و لذا ما كانت مرئية من الخارج. "

 

 

لا يفوتنا ان نذكر ان المؤرخ اليوناني قلايتارخوس (القرن الرابع قبل الملاد) و الذي نقل نصه المؤرخ كورتيس روفس والذي مر بنا ذكره اعلاه  كذلك يتبنى الرأي الذي يرجح نسبة الجنائن الى سميراميس.

 هذا هو آخر ما ذكره المؤرخون الأقدمون عن الجنائن المعلقة و من المهم ان نلخص كل ما جاء به المؤرخون عن الجنائن المعلقة لتتكون عندنا صورة القدماء عنها و الذين هم وحدهم عيوننا التي نرى بها تلك الجنائن فنحصر رأي المؤرخون الاقرب الى الحدث لنلتمس منه رؤية نهائية تساعدنا على رسم صورة واضحة .... 

اذا لنستعرض خلاصة رأي هؤلاء المؤرخين عن هذه الجنائن من اجل ان نرسم صورة واضحة عنها فتكون انطلاقة للبحث الواقعي عن هذه العجيبة......

 

 

 

الأسم:

 

أطلق عليها المؤرخ البابلي (بيل رئيشو) تسمية الجنة المتدلية في حين اعطى المؤرخ يوسفوس تسمية (بنسل بارادايس) و التي تعني (حدائق الشرفة) و اسماها سترابون (كريماتوس كيبوس) و التي تعني باليونانية (الجنائن المعلقة) .... ومن التسمية يمكننا ان نرسم صورة للانطباع الاول التي تتركها رؤية هذه الحدائق و التي تبدو كأنها معلقة بالهواء.

الصورة لكتاب المؤرخ كتسياس الموسوم تأريخ فارس و الذي نقلنا عنه النص اعلاه

السبب:

 

نستطيع ان نقول بان المرخون أتفقوا ان  هذه الحدائق زرعت و بنيت من قبل ملك في سبيل ارضاء زوجته التي حنت الى بلدها في الجبال، الان أختلفوا في من كان ذلك الملك لكنهم اتفقوا في سبب البناء ذاك، نستثني من هؤلاء أولئك الذين نسبوها الى اللملكة الآشورية سمورامات (سميراميس).

 

الشكل:

 

تصف كل النصوص التأريخية بأن هذه الجنائن كانت مربعة الشكل و كان هناك اختلاف في مساحتها لكن الاغلب اتفق على ان لها من الضلع 400 قدم اي ما يقارب 125 مترا للضلع فتكون المساحة 160000 قدم (15625 متر) و تصف النصوص هذه الجنائن مكونة من شرفات رفعت على منصات تدرجيا فبدت كالمدرجات اليونانية التي عهدناها في مسارح اليونان و الرومان...... تملئ قواعد هذه الشرفات بالتراب الكافي ليحتضن جذور اكبر الاشجار (كالنخيل) كما و تستند هذه الشرفات المرتفعى على اعمدة حجرية ضخمة زرعت قممها بانواع الاشجار و صنعت الشرفات سقوفا لقاعدة الجنائن التي تكونت من ممرات بعرض عشر امتار للممر الواحد.

 

ان اقرب صورة لهذه الجنائن المعلقة هو تخيل الزقورة الرافدينية الشهيرة بشكلها الهرمي المرتفع المربع لكن مع اختلاف واحد هو ان طبقات هذه الزقورة مزروعة بأروع الاشجار و النباتات و ان هذه المستويات تحتوي على غرف و مساكن تليق بالملوك.....

 

لا يفوتنا ان نذكر ان هذه الجنائن اعتمدت على آلية ميكانيكية خاصة للري ارتكزت على اساس كونها تقع بالقرب من النهر الذي ترفع منه المياه عن طريق لولب حلزوني يدور فترتفع المياه الى كل مستوى لتصب بخزان مائي يحوي بدوره على لولب حلزوني آخر يرفع المياه من الخظان الى خزان المستوى الثالث و هكذا و يحتوي كل مستوى على مجموعة من القنوات التي تضمن وصول المياه الى كل النباتات المزروعة في هذه الحديقة.

 

الآن من أين تستمد هذه الآلية طاقتها؟ لا يذكر الا سترابون قيام موظفين خاصين بمهمة تزويد هذه اللوالب بالحركة اي ان القوة البشرية هي التي تعمل على ادارة هذه اللوالب رفع المياه حيث يقول " و الى جانب السلالم هناك لوالب و التي من خلالها كانت المياه ترفع بأستمرار الى الحدائق من الفرات عن طريق أولئك المعينين للقيام بهذه المهمة "

 

طيب، بعد ما ذكرها المؤرخون الذين اجمعوا على انها في بابل.... هل عثرنا عليها؟ هل كان البحث الآثاري كفيلا في ايجاد أي اثر عن هذا الصرح العظيم؟

الجنائن المعلقة كما تخيلها بعض الفنانين و وفق وصف المؤرخين

بعد ان تناولنا الجنائن المعلقة في سجلات التاريخ آن الآوان ان نتناولها آثاريا و ان نستشف الحقيقة من البحث العلمية المتقفي لاثار هذا الصرح استنادا الى تلك السجلات، و مما لا شك فيه ان البعثة الأثرية التي تهم بحثنا هي بعثة الآثاري الالماني الأستاذ ربرت كولدوي، حيث في العام 1898 تأسست في برلين الجمعية الالمانية الشرقية بامر من القيصر (فيليهم الثاني) و كان من اول اعمال تلك البعثة هو ارسال بعثة اثارية للتنقيب في مدينة بابل و اختير المهندس روبرت كولدوي ليترأس هذه البعثة و كان من اهم اهداف تلك البعثة هو التوصل الى حقائق الاوجه المختلفة من تاريخ المدينة و خططها و ابرز معالمها المعمارية.

كان عمل كولدوي دقيقا و شاملا في ميادين التنقيب و التوثيق و التسجيل و الرسم و استطاع خلال المواسم التنقيبية التي امتدت من السنة 1899 الى السنة 1914 الكشف عن صفوف اللبن المشيدة بها جدران غالبية مباني المدينة الخالدة الا انه لم يتم الكشف الا عن مدينة بابل التي بناها الملك البابلي نبوخذنصر الثاني حوالي القرن السادس قبل الميلاد و لم تتمكن البعثة من الكشف عن بقايا مدينة بابل التي بناها الملك حمورابي الثاني بداية الالفية الثانية قبل الميلاد حيث ان سعة المدينة التي يحتاج الى تكاليف باهظة و عمل مجدي و وقت كبير للرفع النقاب عن هذه المدينة العظيمة ناهيك عن ارتفاع مناسيب المياه الجوفية الذي حال دون العمل في الطبقات السفلية للمدينة.

 

حمل كولدوي في نفسه حلم الكشف عن برج بابل المثير للجدل و جنائن بابل الاسطورية، و استطاع فعلا ان يكشف عن الكثير من معالم المدينة كالسور الخارجي، السور الداخلي، أساسات الـ(إيتينينامكي) (زقورة معبد إيساغيلا او ما يعرف ببرج بابل)، قصر نبوخذنصر و شارع الموكب الطويل المار بقلب المدينة.

و خلال التنقيب في الحصن الجنوبي عثر روبرت كولدوي على قبو و اربعة عشر غرفة كبيرة بأسقف مقوسة حجرية، و كانت النصوص التأريخية قد ذكرت وجود مبنين فقط في المدينة استخدمت الحجارة بدل الطين في هياكلها الاول هو الجدار الشمالي للحصن الشمالي، و الثاني هو الجنائن المعلقة.  و كان الجدار الشمالي للحصن الشمالي قد تم العثور عليه مسبقا، هذا الاكتشاف و الاستنتاج جعل من المرجح ان يكون كولدوي قد اكتشف قبو الجنائن المعلقة.

اكمل كولدوي تنقيباته و اخذ يكشف عن الكثير من معالم الجنائن المعلقة التي ذكرها المؤرخ اليوناني دودوريوس، البناية غريبة التخطيط على هيئة مستطيل غير منتظم ينخفض في مستواه عن ارضية القصر الذي تكون هذه البناية جزءا منه و تتألف من حجرات صغيرة سعة الواحدة منها 2.2  عرض 3 متر طول مؤلفة من صفين على جانبي ممر ضيق كما توجد ممرات اخرى كما و احتوت احدى الحجرات الوسطى على بئر ذات ثلاث حفر الواحدة بجنب الاخرى فسرت على ان الماء كان يرفع منها بواسطة دولاب.

 

و في مطلع حديث كولدوي عن هذا المبنى الذي يقترح نسبته الى الجنائن المعلقة يرفق نصا يعود للملك نبوخذنصر الثاني يقول كولدوي انه يتحدث فيه عن الجنائن المعلقة جاء فيه:

 

" و لكي لا يحدث أي ضرر في تحصينات معبد (إيساغيلا) و بابل، أنشأت صرحا ضخما على النهر (خا – ال – زي – رابيتم – اينا – ناري). لقد رفعت أسسه التي أقيمت من الطابوق و القير في أعماق النهر. و جعلت أعاليه كجبال تكسوها غابة "

 

 

و على الرغم من ان كولدوي كان مقتنعا من انه عثر على الجنائن المعلقة الا ان الكثير من الآثاريين المحدثين وضعوا هذا الإكتشاف موضع الشك، ترى لماذا؟ مالذي يعيب فرض كولدوي لمكان الجنائن المعلقة؟ تعالوا نتابع

مجموعة من الصور تبين الموقع المقترح من قبل الآثاري الالماني الاستاذ روبرت كولدوي

رجح الاستاذ روبرت كولدوي احد الأبنية التي تم العثور عليها اثناء الاعمال التنقيبية في بابل لتكون الجنائن المعلقة و على الرغم من الدلائل التي اوردها كولدوي الا ان مجموعة من الآثاريين و قفوا بالضد من هذا الاقتراح و كان اعتراضهم ينحصر في النقاط التالية:

 

1- ان موقع البناء الذي يقترحه كولدوي لا يحقق الخصوصية التي تكتنف اجواء الجنائن المعلقة اذ انه يقع بالقرب من بوابة     عشتار و شارع الموكب أي على مقربة من اماكن عامة في حين اتفقت اغلب المصادر التأريخية على انه يقع في قصر الملك.

 

2- ان موقع المبنى المقترح بعيد عن مجرى النهر الامر المتفق عليه في اكثر المصادر التأريخية اذا استخدمت الجنائن المعلقة ماء النهر المجاور لارواء نباتاتها كما اضاف قرب النهر لها رونقا طبيعيا.

 

3- ان جدار المبنى المقترح ليس بالسمك الكافي الذي يعطيه القدرة على حمل اشجار النخيل و السدر و غيرها ناهيك عن الماء و التراب.

 

4-  ان مساحة المبنى المقترح و البالغة 41  x 40 م اصغر من ان تجعل للمبنى اهمية او ان يكون اعجوبة تستجلب الانتباه.

 

يرجح الآثاريين الى ان المبنى المقترح من قبل كولدوي ما هو الى مجموعة من المخازن التابعة للمدينة حيث هي عبارة عن حجرات تمتد على جانبي ممر ضيق بنيت بطريقة خاصة تحافظ على برودة حجراتها من حرارة الجو في الخارج.

 

طيب ان لم نعثر على الموقع الآثاري للجنائن المعلقة فهل هذا يعني انها لم تكن موجودة ؟ هل يعني هذا انها كانت في مكان آخر ؟ اين؟

 

" ان لم نتمكن من العثور على الجنائن في بابل عندما نقبنا او حول قصور نبوخذنصر  و ان لم نتمكن من العثور عليها في نصوص نبوخذنصر.... فأما ان القصة خيالية بالكامل او ان الحدائق كانت في مكان آخر. "

 

 

ستيفاني دالي 

 في العام 1994 قدمت الآثارية البريطانية الدكتورة ستيفاني دالي بحثا بعنوان " نينوى، بابل، و الجنائن المعلقة، المصادر المسمارية و الكلاسيكية تنهي الخلاف حولها" صدر هذا البحث في مجلة (عراق) الصادرة عن المعهد البريطاني للآثار في العراق...... تقترح الدكتورة دالي ان الجنائن المعلقة لم تكن قط في بابل، بل انها فعلا وجدت في نينوى على بعد 300 كم من بابل و بنيت من قبل الملك الآشوري العظيم سنحاريب الذي سبق نبوخذنصر قرابة المائة عام ....

 

هل هذا ممكن؟ ما هي الدلائل التي استندت اليها لتعطي مثل هذا التصريح الخطير؟ و كيف سبق سنحاريب ارخميدس في تقنياته؟

 

لنتناول كل ذلك بشيء من التفصيل، تجيد ستيفاني دالي اللغة الأكدية و في اثناء تفحصها لموشور مسماري يعود للملك الآشوري سنحاريب (القرن الثامن قبل الميلاد) لفتها نصه الذي يتكلم الموشور عن امجاد الملك سنحاريب و يذكر روعة القصر الذي قام ببناءه الى درجة انه حتى بعد انهياره لازال يشد الناظرين اليه فيعطي وصفا كاملا له ........ و للحدائق التي شيدها الملك الى الجانب منه، تقول دالي " ان ما يصفه الملك لم يكن وصفا لحديقة عادية ".

 

 ان نص الموشور يصـــف حتى شكـل

الحدائق إذ يقول عنها سنــحاريــب:

 

" حديقة مرتفعة تحاكي الجبال العظيمة

بنيتها جنبا الى القصـــر بكل انــــــواع

النباتات العطرية و اشجار الفـــواكـــه،

أشجار ليست تلك التي تنمو في الطبيعة

الجبيلة فحسب بل تلك التي تنمو في بابل

بالاضافة الى اشجار القطن".

 

 

 

 

                                                                                                  " رفعت المبان المجاورة للقصر لتكون اعجوبة لكل الناس " سنحاريب.

 

استمرت دالي في البحث عن ما يساند اقتراحها هذه غير نص موشور سنحاريب عندها انتبهت الى جدارية الملك سنحاريب التي ازيلت من قصره لتستقر في أحدى قاعات المتحف البريطاني و التي تظهر الملك سنحاريب واقفا على مايبدو انه اقرب الى حدائق معلقة ترتفع على طبقاتها اشجار بأشكال مختلفة و يظهر من بينها اعمدة مشيدة و اقواس ترتفع فوقها الاشجار الضخمة مما لا يدع مجالا للشك ان هذه الحديقة صناعية مشيدة بيد البشر و ليست بطبيعة و تبدو في نهاية الامر نفسها تلك الحدائق التي يشير اليها سنحاريب في موشوره.....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

و عندما اصبح لدى دالي مصدرين لجنائن نينوى هما نص الموشور و صورة جدارية للحدائق اصبح لزاما دعم هذه النظرية برحلة ميدانية الى المكان المقترح للجنائن المعلقة......

 

توجهت ستيفاني الى اربيل و منها الى خنس التي كانت ستيفاني قد زارتها قبل خمسين عاما و لاحظت فيها آنذاك بقايا نظام قنوات ري ...... في خنس حفر سنحاريب النصب التذكارية الضخمة على سفوح الجبال ليخلد وصوله هناك و اقامته محطته الاروائية، عثرت ستيفاني في زيارتها لخنس على احواض و نافورات مما زاد فرصة ان تكون منطقة خنس هي قاعدة القناة الإروائية لمدينة نينوى و مصدر مياه القصر و حديقته، اذ يأتي نهر دجلة عبر خنس فيصل الى رأس القناة الإروائية و التي صنع مهندسوا سنحاريب هيكلا يشق النهر الى شقين تقلل من سرعته لكن للأسف لم يكن بالامكان تتبع طريق القنوات من خنس الى نينوى وذلك للتوسع العمراني.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

انتقلت ستيفاني لزيارة عالم الانثروبولجي الاستاذ جيسن اور الساكن حاليا في اربيل و الذي كان اول من فكر في استخدام صور الاقمار الصناعية التجسسية التي التقطتها الاستخبارات الامريكية في ستينات القرن الماضي و التي اصبحت متوفرة اليوم للجميع لألقاء نظرة على الطبيعة الجغرافية لمساحة واسعة من الارض في تلك الفترة.

 

أظهرت صور الاقمار الصناعية ان القناة الإروائية تمتد من خنس (جبال زاكروس) شمال العراق و حتى نينوى (اي تقطع حوالي 60 ميلا في طريقها) و القناة بعرض مائة متر و عمق عشرين متر، تلتفت ستيفاني الى تغير مفاجأ في جريان القناة وعندما تسأل جيسون اور عنها يجيب الى ان القناة في طريقها تلاقي جدولا مائيا مما اضطر مهندسي سنحاريب ليصمموا قنطرة تعمل على رفع المياه عن الجدول الى الجهة الثانية و هي كما يصفها جيسون اور قمة الهندسة الآشورية، تعبر المياه الجدول لتصل الى العاصمة نينوى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

توجهت ستيفاني الى جيروان حيث القنطرة التي تكلم عنها جيسون لتقف على مهارة المهندسين الآشورين و قدرتهم على تصميم مثل هكذا مشروع ضخم، القنطرة مذهلة مكونة من حوالي اثنين مليون قطعة حجرية ضخمة منحوتة بشكل مستطيل منظم، يفتخر سنحاريب بإنجازها عن طريق نقش اسمه بالمسمارية تخليدا لعمله قائلا:

 

" سنحاريب ملك العالم، ملك آشور"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يمكن ملاحظة خمس اقواس لم تتبق منها الى القواعد ..... تسمح هذه الاقواس لمياه الجدول ان تمر عبر القنطرة دون ان تغير مجراها في حين تحمل القنظرة مياه قناة سنحاريب ثلاثين قدما على الارض ........ المثير ان هذه الاقوس تظهر في النقش الحجري المحفوظ في المتحف البريطاني لحدائق سنحاريب. يذكر سنحاريب تلك القناة و القنطرة في نصوصه قائلاً:

 

" امرت ان تحفر قناة تمتد الى مروج نينوى عبر الوديان، (و) يمتد جسر من كتل حجرية يسمح للمياه ان تتدفق من فوقه "

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اما موقعها فيشير سنحاريب الى ان الجنائن كانت الى الجانب من القصر، و هذا ايضا ما يورده المؤرخون حول موقعها من القصر حيث يشير اغلبهم الى موقعها عن الجانب منه كما و يعطي ديدوريوس الصقلي تفصيلا اكثر حيث يعطيها مساحة مربعة لها من طول الضلع 400 قدم و على شكل مسرح يوناني. تطبق ستيفاني دالي هذه الحسابات على خريطة مدينة نينوى محاولة حصر موقع الجنائن المعلقة و فقا لرأيها. كان من الصعب على ستيفاني دالي في ظل الوضع الامني المتردي في مدينة الموصل من الوصول الى نينوى للوقوف ميدانيا على موقع الجنائن المقترح، لذا تم ارسال فريق محلي مع كامرات محمولة لتقصي الموقع، عند وصول الفريق الى المنطقة المقترحة لم يتم العثور على اي اثر لوجود الجنائن سوى مكان مثالي لبناء مثلها جنان اذ يطل الموقع على النهر مما يجعله المكان الامثل لها، غياب البحث الاثاري و التنقيب في تلك المنطقة بالاضافة الى التوسع العمراني كان حائلا دون العثور على جنائن سنحاريب و الوضع الامني الغير مستتب يجعل من المستحيل على فرق التنقيب العمل هناك للوقوف على حقيقة هذه النظرية الا ان الدكتورة ستيفاني دالي وصلت في بحثها الى منطقة قريبة جدا من الحقيقة الا اته يتوجب علينا الانتظار الى اليوم الذي يجرى فيه بحث ميداني يساعدنا على الوقوف على حقيقة هذا الادعاء.

 

 

 

 

 


صورة من القمر الصناعي التجسسي الامريكي تظهر سطح مدينة الموصل في ستينيات القرن الماضي تظهر فيها القناة الإروائية للملك سنحاريب ممتدة من خنس الى نينوى كما يشير عالم الانثروبولوجي الاستاذ جيسون اور

آثار القنطرة

"سنحاريب ملك العالم، ملك آشور"

صور مختلفة للجدارية التي تظهر فيها حدائق سنحاريب

صور القناة الاروائية التي حفرها سنحاريب عند زيارة الدكتورة دالي لها

صور للقنطرة التي بناها سنحاريب لإتمام قناته الاروائية

 

 

 

 

 

الآن كيف ترفع ثلاثمائة طن من المياه يوميا الى قمة الجنائن؟ هذا السؤال ملاصق دوما لموضوع الجنائن المعلقة اذ يقف تحدي رفع المياه دوما امام كل محاولة لتصديق وجود الجنائن. يظهر لوح سنحاريب الذي يصور الجنائن جداولا من المياه في شبكة غير منتظمة تمتد من اسفل الجنائن الى اعلاها، ترى ما هي التقنية المستخدمة لرفع هذه الكمية من المياه يوميا؟

 

تحاول ستيفاني الإجابة عن هذا التساؤل من خلال العودة الى موشور سنحاريب الذي تجد فيه النص التالي:

 

" أنا سنحاريب قائد الأمراء، العارف بكل انواع العمل، أخذت النصح و فكرت بعمق للقيام بهذا العمل، صنعت قوالب من طين كما لو كانت من صنع إلهي، لصنع (كيشماهو) و (آلاميتو)، و من أجل ان رفع المياه طوال اليوم، صنعت حبالا برونزية و سلاسل من البونز و بدلا من الـ(شادوف؟) اقمت (كيشماهو) و (آلاميتو) نحاسية على الخزانات "

 

 

المفارقة الان ان كلمة (كيشماهو) تعني (جذع شجرة طويل)، بالاضافة الى ان كلمة (آلاميتو) تعني حرفيا (نخلة)...... تحاول دالي المقاربة بين هذه الكلمات فتقترح ان لجذع النخلة مسار حلزوني و هي الكلمة الامثل للاشارة الى اللولب ..... تصرح دالي قائلة " عندما تخترع شيئا عليك ان تجد اسما له، وامثل ما يمكن الاستعانة به لتسمية الاشياء الجديدة هو مقارنتها بما يشابهها واستخدماء اسماء تلك الاشياء التي تشبهها و هذا ما دعى سنحاريب لاطلاق تسمية آلاميتو (النخلة) على اسطوانة رفع المياه وذلك للتشابه بينها و بين جذع النخلة بالشبط كما نطلق اليوم تسمة الفأرة على فأرة الكمبيوتر " .

 

تخزن المياه في خزان يغطس فيه رأس اسطوانة اللولب بزاوية 45 درجة في حين يصب رأس الاسطوانة الثاني في خزان آخر يقع الى اعلى الاخزان الاول بارتفاع معين عن طريق دوران اللولب حول محوره بقوة بشرية او حيوانية ثم يغطس في الخزان الثاني رأس اللولب الثاني الذي يرفع المياه الى المستوى الثالث و هكذا دواليك.

 

لذا يبدو ان مهندسي سنحاريب كانوا اول من اخترع نظام رفع المياه بأستخدم اللوالب الإختراع الذي نسب لأرخميدس اليوناني المولود بعد 400 سنة من سنحاريب.

 

الان هل ان هذه النظرية تحل غموض الجنان المعلقة؟

صور توضيحية للطرق المحتملة في ارواء الجنائن

كما رأينا  تقترح الدكتورة ستيفاني دالي وجود الجنائن المعلقة في آشور بدلا عن بابل لكنها في طرحها تنفي اي احتمال لوجود لهذه الجنائن او ما يماثلها في بابل او اي مكان آخر و كأن من اللزام وجود جنائن معلقة واحدة في كل ارض الرافدين وهي عينها تلك التي نقلتها النصوص التأريخية و هذا غير صحيح مطلقا، إذ ان المتتبع لنصوص و آثار ملوك وادي الرافدين يرى ان العراقيين القدماء ابدوا اهتماما خاصا للهندسة الزراعية  و فن البستنة حيث ننقل عن الملك الاشوري آشور ناصر ابلي قوله:

 

" زرعت بساتين تضم جميع اصناف الفاكهة في ضواحي البلاد التي سرت خلالها و المرتفعات التي اجتزتها كانت الاشجار و النباتات التي رأيتها هي الأرز  السرو و العرعر و اللوز و التمر و الابنوس و الزيتون و البلوط و الطرفاء و البطم و الرمان و التوت و الأجاص و السفرجل و التين و الكروم "

 

و ننقل من نص آخر له قوله:

 

" جلبت الأشجار و البذور من الآراضي التي مررت عبرها و من هذه الأشجار السدر و السرو... العرعر و اللوز و التمر ... و الزيتون و البلوك و الطرفاء و البطم و الجوز و الرمان و التوت و الأجاص و السفرجل و التين و الاعناب و تفاح الارض "

 

كما و يشير في نص ثالث الى حفره لقناة اروائية بالضبط كما فعل سنحاريب قائلا:

 

" و انسابت قناة المياه من أعلى الحدائق الزاهية في سواقي المياه التي عددها كعدد النجوم، انسابت في الحدائق.... انا آشور ناصر ابلي جنيت الفواكه في كلخ "

 

يمكننا ان نرى كيف يفتخر الملك بأنجازه و يتفاخر بكونه جنى الفواكه في كلخ (كالحو – نمرود حاليا) و كأنها لولاه لما كانت موجودة، يذكر الاستاذ احمد زيدان الحديدي قوله بهذا الشأن:

 

" ومع ان الفنان الاشوري لم ينفذ هذه المشاهد على المنحوتات البارزة ولـم يـذكر كاتب النصوص الملكية لـ اشور -ناصر-ابلي على وجه الخصوص جبال الامـانوس او جبال لبنان الا ان الجانب الغربي لبلاد اشور هي المنطقة الرئيسة التـي تنمـو بهـا كـل اصناف الاشجار المذكورة انفاً ونعلم ايضاً من نصوص الملك الاشوري انه قطع اشـجار الارز والسرو والعرعر التي تنمو على قمم وسفوح جبال لبنان والامانوس وجلبهـا الـى بلاده "

 

و يذكر الدكتور ماجد عبدالله الشمس قوله:

 

" من الملوك الآشوريين العظام (الملك) آشور بانيبال .......... في عهد هذا العاهل وردت إشارة مفادها أنه غرس نوعا من البساتين على مرتفعات و أبنية صناعية مما يرجح كثيرا ان الملك البابلي نبوخذنصر قد قلدها في جنائنه المعلقة المشهورة في بابل "

 

انتشار الهندسة الزراعية و بناء الحدائق الإصطناعية المرتفعة على مصطبات انتشر على الاقل منذ العصر الآشوري الأخير و هذا يرجح فرصة بناء جنائن اكثر تطورا في العصر اللاحق له و هو العصر البابلي الأخير عصر الملك نبوخذنصر الثاني و ان النص الذي يتكلم عن حدائق سنحاريب يعطي تفصيلا دقيقا عن الكيفية التي تبنى بها مثل هكذا نوع من الحدائق و الكيفية التي تم فيها ارواء نباتاتها و هذا لا يمنع البتة من ان يكون مهندسوا نبوخذنصر قد اقتبسوا تلك الطريقة و طوروها ليصمموا جنائن بابل المعلقة بل يؤكد ذلك.

 

اهم النقاط التي تقف بالضد من نظرية ستيفاني دالي:

 

1- الموقع: موقع الحدائق التي تتكلم عنها دالي هو نينوى وهذا في خلاف كل المصادر التأريخية التي تذكر انها كانت في بابل

 

2- سبب البناء: لايذكر سنحاريب سببا لبناء الحدائق سوى للرفاهية الملكية في حين ان المصادر التأريخية تذكر سبب بناء الجنائن المعلقة في بابل ارضاءا لآميتس زوجة نبوخذنصر

 

3- ان بناء مثل هكذا جنائن وصفت بالمعلقة يعتبر اعجوبة اذا ما كان في ارض مستوية و منخفضة و طينية كأرض بابل اما بنائها في ارض صخرية جبلية كأرض آشور فأنه على الرغم من عظمته لا يقف ندا كبناء اسطوري في ارض مستوية.

 

و في مطلع حديثنا عن نقد نظرية الدكتورة ستيفاني دالي يسعدنا ان نقتبس رأي أحد متابعينا و هو الاستاذ (ابو بلال الخفاجي) قوله:

 

" حسب المعايير العلمية و المتفق عليها عن ألأخذ بكل منقول تبعا للمعقول بتحليل المعلومات من حيث الفكرة. الفكرة و الموضوع هو تاريخ ووصف و أصل و مكان الجنائن المعلقة يبدو لي بلا أدنى شك ان سبب البناء هو من اجل زوجة الملك آنذاك ليجعل من هذا الصرح العملاق ما يعطي للملكه الأحساس و الشعور المفتقد لكونها من سكنة الجبال و من شعوب الجبال و بابل و هي الأقرب من غيرها من أي مكان آخر في العراق و الدليل على ذلك ما فائدة بناء هكذا صرح للتشبيه بالجبل في منطقة جبلية لو كانت الجنائن مفقودة في ارض اشور تمتد من شكال تكريت الى ما بعد زاخو بإتجاه تركيا. اذا بابل هي الاوفر حظا من اي مكان لكونها المناسبة لهكذا صرح عملاق ليشبه الجبل او غابة على جبل هذا رأي ليس إلا و الأدلة و البراهين خير من كل رأي "

 

 

 

اذا وجود حدائق سنحاريب لا ينفي و جود حدائق في اماكن أخرى لذا لا يمكن ان تنفي نظرية الدكتورة ستيفاني دالي وجود الحدائق في بابل خاصة و ان عمليات التنقيب كما هو معروف لم تكتمل تماما في مدينة بابل الاثرية بل ان القصر الصيفي للملك نبوخذنصر لايزال تلا اثريا لم يضرب فيه معول فكيف نستطيع دون البحث الميداني ان نحكم بعدم وجود ما ذكره المؤرخون بأجماعهم عن وجود هذه الجنائن في بابل؟

 

هل هذا يعني ان هناك اماكن اخرى مقترحة للجنائن المعلقة ؟

مجموعة من الحدائق الاشورية

هل هناك اماكن مقترحة أخرى للجنائن المعلقة؟ نعم بما انه لم يقطع حتى اليوم بالمكان الفعلي للجنائن المعلقة صار بالامكان اقتراح بعض الاماكن المختلفة لموقعها و منها رأي الدكتور مؤيد سعيد الذي اقترح ان يكون موقع الجنائن المعلقة هو بناء يقع الى الغرب من القصر الجنوبي الذي يحاذي شارع الموكب في ضلعه الشرقي مساحة البناء هي 25300 متر (بواقع 230 x 110 م) و هو ذو كل غريب فبالاضافة الى مساحته الشاسعة فان هناك مجموعة من النقاط التي تخدم اقتراح الدكتور مؤيد وهي:

 

1- موقعه بالقرب من النهر يضمن الحصول على الكميات المطلوبة من المياه و يحقق الخصوصية و الانعزال عن العامة اضافة الى ما يضفيه النهر من جمال و محاكاة للطبيعة.

 

2- سمك جدار المبنى ضخم جدا مثلا الضلع المحاذي للنهر بطول 230م يتألف من ثلاث جدران توازي و تلاصق بعضها مشكلة سمكا يعادل 50م اما الجدران الثلاث الاخرى فسمكها حوالي 25م و ملاطها من القير كما انها مرصوفة بحصران مزفتة بما يمنح البناء مقاومة للمياه.

 

3- ان جميع الجدران صلدة و لا يتخللها منفذ

 

4- ان المساحة التي تحيطها الجدران الضخمة تسمح لان تكون منتجعا صيفيا حيث تهبط عنده درجة الحرارة عن المنطقة التي خارج البناء المذكور.

 

5- وجود سلالم للارتقاء الى الاعلى

 

6- سمك الجدران يوحي بأمكانية وضع التراب في أعاليها بما يمكن من إقامة مدرجات يتماشى وصفها بما ورد من نصوص من ان الجنائن كانت مدرجة الشكل.

 

عند التدقيق في خارطة المبنى نجد ان هناك فسحة بينه و بين القصر كما و يلاحظ وجود مجموعتين من الجدران توازي بعضها، هي ستة من جهة اليمين تمتد امامه جدران اقصر بنفس العدد و من الجهة الاخرى عددها خمسة. و عندما تكلم روبرت كولدوي عن هذا المبنى وصف هذه المجاري بين الجدران على انها مجاري مائية في حين اقترح الدكتور مؤيد ان تكون قنوات تصرف مياهها عبر بوابات حجرية مفتوحة بشقوق طولية، ان هذ البناء يكاد يكون جزيرة منعزلة وسط الماء و قريبة من القصر، ذات شرفات واسعة و مجاميع من الغرف الداخلية الواطئة في وسطه مما يغرينا بالقول بانها لا تصلح لان تكون حدائق معلقة على القصر.

 

ان كانت هذه المجاري قناة عادية كما وصفها كولدوي لن يكون لها اي معنى باحاطة المبنى لذا فان افضل ما يمكن اقتراحه هو كونها مشروعا إروائيا ميكانيكيا إستخدم لربما لارواء الجنائن المقترحة.

 

 

المكان المقترح للجنائن من قبل الدكتور مؤيد سعيد

الجنائن المعلقة كما تخيلها الدكتور مؤيد سعيد

 

اهم النظريات التي وضعت في تفسير الميكانيكية التي رفعت بها المياه الى اعالي الجنائن المعلقة هي:

 

1- الشادوف او الدالية: هي ابسط آلات رفع المياه في العراق القديم و تتكون من جذع شجرة يوضع بشكل افقي يحمله شاخص في منتصفه فتتشكل بذلك عتلة و يوضع في إحدى نهايتيه وعاء و في الاخرى ثقالة. و بعملية بسيطة يمكن ملء الوعاء و تحريكه باتجاه الساقية ليسكب فيها الماء.

 

من الصعب اعتبار هذه الطريقة التي تم اعتمادها في رفع المياه لانها غير فعالة في تقل مئات الاطنان يوميا كما انها لا ترفع المياه الى درجات مطلوبة.

 

2- لولب ارخميدس: وهو المقترح من قبل الدكتورة ستيفاني دالي و هو ما ذكره نص الملك سنحاريب في موشوره مما يؤكد معرفة المهندسين الاشوريين بهذا النظام الإروائي و تتمثل بأسطوانة مجوفة يستقر في داخلها لولب حلزوني الشكل يلتف نحو الاعلى و يدور حول محوره، يغطس رأس اسطوانة اللولب بزاوية 45 درجة في خزان ماء في حين يصب رأس الاسطوانة الثاني المرتفع عن الارض بزاوية 45 في خزان آخر يقع الى اعلى الخزان الاول يصب الماء عن طريق دوران اللولب حول محوره بقوة بشرية او حيوانية ثم يغطس في الخزان الثاني رأس اللولب الثاني الذي يرفع المياه الى المستوى الثالث و هكذا دواليك. و بهذا يكون الاشوريون سبقوا اخميدس باربعمائة عام.

 

3- الناعور: يقترح الدكتور ماجد عبدالله الشمس ان الالية الميكانيكية لرفع المياه في الجنائن المعلقة كانت تعتمد على ناعورين متوازيين يرفعان المياه من النهر مباشرة الى ساقية في المستوى الاول من مستويات الجنائن و التي تقام عليها منظومة من البكرات المربوطة مع بعض بالحبال و المحاور و تتدلى منها الأوعية التي تحمل المياه من ساقية المستوى الاول و ترفعا الى ساقية في المستوى الثاني عند حركة البكرات حول محورها و التي تستخدم حركة الناعور كمحرك لدورانها، يقام على ساقية المستوى الثاني نظام بكرات ثاني و هكذا دواليك.

 

بالاضافة الى هذه الطرق الثلاث هناك اقتراحات اخرى كالبكرات ذات الاوعية الا اننا شخصيا نرجح استخدام اسطوانة اللولب لانها لربما الاكثر كفاءة بين الثلاث و هي مسنودة بنص سنحاريب الذي يقول:

 

" أنا سنحاريب قائد الأمراء، العارف بكل انواع العمل، أخذت النصح و فكرت بعمق للقيام بهذا العمل، صنعت قوالب من طين كما لو كانت من صنع إلهي، لصنع (كيشماهو) و (آلاميتو)، و من أجل ان رفع المياه طوال اليوم، صنعت حبالا برونزية و سلاسل من البونز و بدلا من الـ(شادوف؟) اقمت (كيشماهو) و (آلاميتو) نحاسية على الخزانات "

 

و نلاحظ ان سنحاريب يشير الى ان طريقته هذه كانت بدلا عن استخدام الشادوف.

 

طيب ما خلاصة البحث؟ هل اجابتنا عن الأسئلة التي طرحناها في اوله؟ تعالوا نتابع في الخلاصة.

صور توضيحية لطرق الارواء المقترحة للجنائن

 حاولنا خلال البحث ان نحصر كل ما طرح حول الجنائن المعلقة و ان نجيب عن التساؤلات التي طرحناها في اول البحث و التي كانت :

 

متى ذكرت الجنائن أول مرة؟ و من ذكرها؟

 

يردنا اول ذكر عن الجنائن المعلقة من نصوص الممؤرخ البابلي بيل رئيشو (بيروسس او برعوشا) و هو اشهر مؤرخ بابلي معروف الاسم و الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد اي فترة السيطرة السلوقية على بلاد الرافدين وصلتنا رواية بيل رئيشو عن الجنائن المعلقة عن طريق المؤرخ الروماني يوسفوس من القرن الاول قبل الميلاد و توارد ذكر الجنائن المعلقة بين عدد من المؤرخين منهم المؤرخ أونيزيكريتس (القرن الرابع قبل الميلاد)، المؤرخ اليوناني قلايتارخوس أحد مؤرخي الأسكندر المقدوني ( في القرن الرابع قبل الميلاد)، المؤرخ اليوناني كتسياس (القرن الثالث قبل الميلاد)، ديدور الصقلي (القرن الاول قبل الميلاد)، سترابون (14 قبل الميلاد – 19 ميلادية) و كور تيوس روفس (القرن الاول الميلادي) و المؤرخ فيلو البيزنطي (القرن الخامس الميلادي) و غيرهم.

 

- أين كانت؟

 

وفقا للمرخين فأن موقع الجنائن المعلقة هو مدينة بابل.... الآن تحديدا اي جزء من بابل لم يكن لدينا تحديد دقيق حيث ان الرقعى الجغرافية لمدينة بابل غير ثابتة فهي تتغير مع الزمن لتشمل مساحة تتسع و تضيق وفقا للظروف التأريخية لكن على الاكثر كانت في بابل نبوخذنصر كما اشارت بعض تلك النصوص التأريخية و حصرت بموضعين قرب القصر الملكي و بمحاذاة النهر، لكن عدم تمكن البحث الآثاري من العثور عليها دفع بعض العلماء للاعتقاد بأن تلك الجنائن قد تقع خارج الحدود المعروفة لمدينة بابل فحدد موضعها بأماكن أخر كنينوى كما اقترحت الدكتورة ستيفاني دالي.

 

- ما سبب بناءها؟ ما القصة الرومانسية وراء بنائها

 

تورد المصادر الكسالسيكية الى ان الملك قدم مشهدا طبيعيامحاكيا تماما للبلدان الجبلية، فعل ذلك كله لأرضاء ملكته، ذلك انها كانت قد نشأت في ميديا، وكانت مولعة بالطبيعة الجبلية.

 

- متى بنيت؟ بمعنى آخر من بناها؟

 

ينقسم مؤرخوا المصادر الكلاسيكية في وقت بناء الجنائن المعلقة وفقا لانقسامهم حول بانيها حيث قال الفريق الاول منهم انها بنيت من قبل الملكة الآشورية سميراميس و التي عاشت في القرن التاسع قبل الميلاد (830 ق م) في حين يعيدها القسم الثاني الى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني اي للقرن السادس قبل الميلاد (604 ق م) اما القسم الثالث فينسبها الى ملك دون ان يحدد اسمه او عصره........ اما في العصر الحديث فتنسب الاثارية الدكتورة ستيفاني دالي تلك الجنائن للملك الآشوري سنحاريب في العصر الآشوري الاخير القرن السابع قبل الميلاد (681 ق م).

 

- كيف بنيت ؟ ... كيف كان شكلها؟ ... هل كانت معلقة؟

 

هي لم تكن معلقة بالمعنى الذي يفهم اي كأن تكون معلقة في الهواء لكنها في الحقيقة كانت حديقة مرتفعة على مصاطب و لربما كانت التسمية الاقرب الى الواقع هي تسمية بيل رئيشو الذي وصفها او سماها بالحديقة المتدلية لكن المؤرخ روفس اطلق عليها اسم Pensiles horti و التي تعني باللاتينية الحديقة المعلقة و التي لربما من هنا اكتسبت اسمها الازلي. اما كيف بنيت و كيف كان شكلها و كيف بنيت فيتلخص بالاتي وفقا للمؤرخين:

 

1- مساحة الحدائق هي تقريبا 14400 متر

2- الحديقة على شكل تل

3- تتكون الحديقة من طبقات ترتفع الواحدة فوق الأخرى

4- الحديقة تشبه المسرح (اي نوع من التدريج الذي نشهده في المسارح اليونانية)

5- ارتفاع اعلى منصة يصل الى خمسين ذراعا (ما يقارب الاربعين مترا) و هو ذات الارتفاع لسور المدينة

6- جدران هذه الحدائق التي زينت بكلفة عالية لها من االسمك 22 قدما (ما يقارب الست امتار)

7- ممرات الحديقة كان بعرض عشر اقدام (ثلاث امتار)

8- هذه الممرات كانت مغطاة بثلاث طبقات من القصب و القار، و طبقة ثانية من الطوب، و الثالثة طبقة من الرصاص تمنع تسلل الرطوبة تليها كميات من التراب غرست فيها الاشجار.

9- زودت الحدائق بما تحتاجه من التراب لتتسع لجذور اكبر الأشجار

10- زودت الحديقة بأشجار من كل الانواع و بكثافة

11- صممت الحديقة بطريقة تسمح للضوء ان يصل الى كل المصاطب

12- احتوت الحدائق على مساكن ملكية

13- كان المياه ترتفع الى قمة الحدائق بآلات ترفع المياه من النهر و لهذا لابد كان موقع الحدائق قرب النهر

14- صممت هذه الآلات بطريقة لا يراها الزائر.

15- الاقرب الى التصور هو شكل زقورة متعددة الطبقات زرعت على طبقاتها كل انواع الاشجار و النباتات.

 

 

- كيف رفعت المياه الى قمتها؟

 

كما اوردنا في اعلاه هناك مجموعة من النظريات في الآلية المتبعة في رفع المياه الى قمة الجنائن و هي:

 

1- الشادوف او الدالية: تتكون من جذع شجرة يوضع بشكل افقي يحمله شاخص في منتصفه فتتشكل بذلك عتلة و يوضع في إحدى نهايتيه وعاء و في الاخرى ثقالة. و بعملية بسيطة يمكن ملء الوعاء و تحريكه باتجاه الساقية ليسكب فيها الماء.

 

 

2- لولب ارخميدس: تتمثل بأسطوانة مجوفة يستقر في داخلها لولب حلزوني الشكل يلتف نحو الاعلى و يدور حول محوره، يغطس رأس اسطوانة اللولب بزاوية 45 درجة في خزان ماء في حين يصب رأس الاسطوانة الثاني المرتفع عن الارض بزاوية 45 في خزان آخر يقع الى اعلى الخزان الاول يصب الماء عن طريق دوران اللولب حول محوره بقوة بشرية او حيوانية ثم يغطس في الخزان الثاني رأس اللولب الثاني الذي يرفع المياه الى المستوى الثالث و هكذا دواليك. و بهذا يكون الاشوريون سبقوا اخميدس باربعمائة عام.

 

3- تلناعور: يقترح الدكتور ماجد عبدالله الشمس ان الالية الميكانيكية لرفع المياه في الجنائن المعلقة كانت تعتمد على ناعورين متوازيين يرفعان المياه من النهر مباشرة الى ساقية في المستوى الاول من مستويات الجنائن و التي تقام عليها منظومة من البكرات المربوطة مع بعض بالحبال و المحاور و تتدلى منها الأوعية التي تحمل المياه من ساقية المستوى الاول و ترفعا الى ساقية في المستوى الثاني عند حركة البكرات حول محورها و التي تستخدم حركة الناعور كمحرك لدورانها، يقام على ساقية المستوى الثاني نظام بكرات ثاني و هكذا دواليك.

 

 

-  و اهم من هذا كله هل كانت فعلا موجودة؟

 

للاسف تم اقتراح مجموعة من الاماكن الآثارية لتكون موقعا للجنائن المعلقة لكن الادلة الاثارية لتلك الاقتراحات لم تكن داعمة كما لم تكن هناك نصوص مسمارية تدعم تلك الإدعاءات بالتالي لا نستطيع فعلا ان نقول اننا عثرنا على الموقع الاصلي للجنائن المعلقة ..... هناك موقعين آثاريين في مدينة بابل الأثرية الاول مقترح من قبل الاثاري الاماني الاستاذ روبرت كولدوي لكنه لا يستند الى دليل اثاري قوي و الرأي الثاني هو رأي الاستاذ مؤيد سعيد لمبنى يقع في نفس المدينة لكن على الجانب الاخر من المبنى الاول و هو ايضا غير مدعوم بالادلة التاريخية و النصوص المسمارية ..... ويقترح موضع ثالث من قبل الدكتورة ستيفاني دالي وهو خارج الحدود الجغرافية لمدينة بابل الا وهي مدينة نينوى عهد ملكها سنحاريب و الذي تتوفر فيه بعض الادلة الاثارية و النصوص المسمارية و الجداريات التذكارية الا ان الموضع و الهدف بعيدين عن الخطوط الرئيسية للجنائن المعلقة ناهيك من ان الموضع المقترح لتلك الجنائن بدى ارضا مستوية لا اثر فيها.

تفتقر هذه المقترحات الثلاث الى البحث الاثاري الدقيق .... الاعمال التنقيبية في مدينة بابل لا تتجاوز الثلاثين بالمئة لذا من الخطأ ان نقطع بفشلنا في العثور على اثر الجنائن المعلقة.  و علينا ان ننتظر و نترقب و نستمر بالبحث حتى نجدها او نكمل التنقيب في بابل دونها...... لكن هل هناك من طريقة للاستدلال على وجودها...... على الرغم من ان النصوص التأريخية و خاصة الكلاسيكية منها ليس لها نصيب كبير من المصداقية و ان لمؤلفوها مهما كانوا مصادر ثقة الا انهم لربما لهم اجندة معينة لكن في كتاب المؤرخ فيلو البيزنطي و الذي صنف فيه عجائب الدنيا السبع و هو اول من وضع كتابا لجمعها و وصفها كان قد ذكر سبع عجائب تمكن علم الآثار  اليوم من العثور على مواقعها كلها عدا جنائن بابل فهل نستطيع ان نقول ان الجنائن موجودة حالها حال كل تلك الصروح لكننا لم نتمكن من العثور عليها؟ شخصيا أؤمن بذلك.

 

-  كيف انتهى به الامر؟

 

 

انتهى العصر البابلي الاخير على يد الاخمينيين بقيادة الملك كورش الثاني 539 ق م و بهذا التدخل فقد ابناء الرافدين كيانهم السياسي في اولى فترات الحكم الاخميني لم تعاني بابل من الويلات او الدمار و كان الامر اشبه بتبديل حاكم بحاكم لضعف الدولة البابلية في عصر اخر ملوكها فلم تكن عصية او متطلبقة للقوة في فتحها. لكن بمرور الزمن على السيطرة الاخمينية التي دامت زهاء القرنين حصلت مجموعة من الثورات بقيادة نبوخذنصر الثالث و نبوخذنصر الرابع و غيرهما من الثوار البابليين و الذيين وجهوا بالقوة و القمع و لابد ان في هذه الفترة اي بين 539 (بدأ السيطرة الاخمينية) الى 331 ق م (نهاية سيطرة الاخمينيين و بداية عصر الاسكندر) دمرت فيها مدينة بابل و صروحها الشهير كبرج بابل العظيم و جنائنها المعلقة . و هكذا انتهى بها الامر مدمرة تنكيلا بثورة اهلها.

 

الى هنا نأتي الى نهاية بحثنا المتواضع عن الجنائن المعلقة آملين ان نكون قد اجبنا قدر الامكان عن تلك التساؤلات المطروحة حول غموضها راجين ان نكون قد نلنا استحسانكم معتذرين عن التقصير.

 

 

مصادر البحث:

 

1- علم آثار بلاد الرافدين – جان كلود مار كرون – ترجمة يوسف حبي

2- الاله و الانسان و أسرار جنائن بابل – ماجد عبدالله الشمس

3- الحملات العسكرية الآشورية الى الجهات الغربية (883 – 626 ق.م) في ضوء المشاهد الفنية – أحمد زيدان الحديدي

4- مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة – طه باقر

5- Alexander - Curtius Rufus

6- Mystery of the Hanging Gardens – Stephanie Dalley

7- Jewish Antiquities - Josephus 

8- Secrets of the Ancients: Hanging Gardens of Babylon - BBC Documentary

9- Secrets of the Dead the Lost Gardens of Babylon - Channel 4 Documentary

 

تم 

 

علي طالب

 

 

bottom of page