في العام 1913 ولد الأستاذ فؤاد سفر في الموصل و انهى دراسته فيها و بعد تخرجه أختير كأحد طلاب بعثة وزارة المعارف لدراسة الآثار لذلك انتقل جنبا إلى جنب مع الاستاذ العلامة طه باقر إلى فلسطين لنيل شهادة ماتريكوليشن الأنكليزية المكافئة في كلية صفد، ثم انتقل إلى بيروت لأجتياز مرحلة السوفومور و هي دراسة تمهيدية حيث درس فيها التأريخ و الآثار لمدة سنة واحدة في الجامعة الأمريكية في بيروت بعدها انطلق مع الأستاذ طه باقر لدراسة علم الآثار و اللغات القديمة في المعهد الشرقي في جامعة شكاغو و بعد اربع سنوات درس فيها الأنثروبولوجي و مادة الأثار و التنقيب و التاريخ القديم و اللغتين السومرية و الأكدية بفرعيها و العبرية و قام بأعكال تنقيبية تدريبية في أحدى المستوطنات القديمة في أمريكا لينال شهادتي البكلوريوس و الماجستير في علم الآثار و يعود للعراق مع الأستاذ طه باقر في العام 1938 ليعين في مديرية الآثار العامة.
يذكر الاستاذ بشير فرانسيس و الذي رافق الاستاذ فؤاد سفر في بعض تنقيباته انه كان هادئا كتوما لا يطرح رأيا إلا مع التحفظ و ذلك بعد سماع آراء الآخرين كما يذكر انه كانت تعوزه الجرأة في إتخاذ القرار و كان حريصا ودقيقا جدا يحسب لكل خطوة حسابها و إذا نوى على شيء لا ينفك عنه دون ان يتقنه من شدة حرصه على عدم الانزلاق في الخطأ و كان يسجل كل مشاهداته في تقارير خاصة محتفظا بكل التفاصيل .
قام الأستاذ فؤاد سفر بالعديد من التنقيبات منها تنقيباته في تل حسونة و إكتشافه لواحدة من أولى القرى الزراعية في العالم و كان فؤاد سفر قد تتلمذ على يد احد علماء الآثار البارزين إلا وهو الأستاذ ستيون لويد مدير المدرسة البرطانية لعلم الآثار في العراق و شاركه التنقيب في مدينة اريدو كما و نقب في مدينة واسط.
فؤاد سفر
الصورة تبين الأستاذ بشير فرانسيس في الوسط و إلى يمينه العلامة الأستاذ طه باقر و إلى يمينه الأستاذ فؤاد سفر جالسين على قمة بوابة نركال في الموصل
يمكن تلخيص اهم ما قام به الأستاذ فؤاد سفر من تنقيبات في ثلاث مواقع مختلفة و هذا لا ينفي وجود تنقيبات كثيرة قام بها إلا ان هذه الثلاث هي ابرزها الأول هو الكشف عن مشاريع الري القديمة في العراق، ولاسيما اعمال الري الاشورية ومنها (منظومة سنحاريب الاروائية). وتدل دراساته التي نشرها عن التحريات الاثارية في مناطق مشاريع الري الكبرى في العراق وأعمال الارواء التي قام بها سنحاريب في نينوى واربيل، على امكانياته العقلية والفنية أما ثاني اعماله هو تنقيباته في تل ابو شهرين او ما يعرف بأريدو حيث اثبتت التنقيبات انها اقدم مواضع الاستيطان في السهل الرسوبي جنوب العراق و كشفت هذه التنقيبات ان المدينة بنيت على تسع عشر طبقة أثرية يعود أقدمها إلى دور العبيد في حدود الألف الخامس قبل الميلاد
اما اهم تنقيباته و برأئي الشخصي أعظمها هو اعماله في مدينة الحضر التي كشفت لنا عن حضارة اخرى من حضارات وادي الرافدين حضارة إتصفت بأنها حلقة الوصل المكملة لحضارة وادي الرافدين التي من الخطأ ان نعدها انتهت بسقوط بابل فكانت الحضر الوريث الشرعي لحضارة وادي الرافدين من حيث اننا نرى التأثير الوثيق الذي تركته حضارات وادي الرافدين على الحضريون كما و نلتمس التأثير الغربي على هذه الحضارة ايضا متمثلا بالحضارتين اليونانية و الرومانية و كان الأستاذ فؤاد سفر أول عالم آثار ينقب فيها كان رئيس البعثة التنقيبية الاولى التي اضطلعت باعمال الحفر منذ بدء شهر أيار سنة 1952 وكان لهذه البعثة انجازات هائلة، ضمن مواسمها التسعة التي استمرت حتى سنة 1971 حين نشر فؤاد سفر احدث دراساته في مجلة سومر بعنوان كتابات الحضر و كان المصدر الذي ألفه مع الأستاذ محمد علي مصطفى بعنوان الحضر مدينة الشمس من أهم المصادر و أندرها حديثا عن هذه المدينة كونه كتب من قبل رئيس البعثة التنقيبية .
جانب من مدينة الحضر التي رأس تنقبياتها الدكتور فؤاد سفر
لعل من ابرز جهود فؤاد سفرالاثارية قيامه بتنفيذ سياسة عراقية مستقلة في ميدان التنقيب، وتقوم هذه السياسة على فلسفة وطنية تأخذ بنظر الاعتبار أهمية ان يكون للعراقيين الاسبقية في التنقيب. وكما هو معروف كان التنقيب في المدن العراقية القديمة كما ظل لفترة طويلة مقتصرا على البعثات الاجنبية الامر الذي أدى الى تسرب الكثير من أثار العراق، وانتقالها الى متاحف الغرب، كما عمل الأستاذ فؤاد سفر مع بقية رواد علم الاثار في العراق كالعلامة طه باقر بتأسيس قسم الآثار في جامعة بغداد و الذي أرفد العراق بعلماء الآثار، و بغض النظر عن التنقيبات التي قام بها فأن له من المؤلفات ماهو من المصادر التي يعترف بها الغرب كما هو المصدر الذي الفه بالمشاركة مع محمد علي مصطفى و الاستاذ ستيون لويد ألا وهو كتاب أريدو و الذي يتكلم به الأساتذة عن التنقيبات التي قاموا بها في تل ابو شهرين (اريدو) كما و ان الكثير من مؤلفات الاستاذ فؤاد سفر صدرت باللغة الانكليزية و التي يمكن تتبعها اليوم في المكتبات الغربية و حتى في المكتبات الإلكترونية ككتاب الاستاذ فؤاد سفر مع زميله محمد علي مصطفى كتابه الشهير الحضر مدينة الشمس.
تسلم فؤاد سفر الكثير من المناصب الآثارية منها مفتش الآثار العامة و مدير الآثار العامة و بعد المساهمة في تأسيس قسم الآثار في جامعة بغداد درس فيه و اشرف على الكثير من رسائل الماجستير و قبلها دار المعلمين العالية.
في العام 1978 إسندت أليه عمليات إنقاذ آثار سد حمرين و في الطريق إلى موقع العمل بين بعقوبة و المقدادية تعرض الأستاذ فؤاد سفر لحادث سير أدى إلى وفاته في طريق أداء واجبه الآثاري مخلفا كما كبيرا من الإنجازات نعجز عن ذكرها في هذه الحلقات القصيرة