top of page

بشير فرانسيس

في العام 1909 ولد الأستاذ بشير فرانسيس في الموصل، نشأ الأستاذ بشير في بيت يأمه العلم و الأدب فوالده الأستاذ يوسف فرانسيس كان من اعلام الموصل فقد درس الدين و اللغة العربية في مدرسة اهلية و تعلم الفرنسية في مدرسة الآباء الدومنيكان في الموصل ثم إلتحق بمطبعتهم للتدرب على طرق الطباعة و لمهارته تعيين في مطبعة الولاية ثم أنتدب للعمل في بغداد في مطبعة الزوراء عام 1909 و هناك ولد بشير فرانسيس في ظل ابوه الذي اطلع على اغلب ما كان يطبع في بغداد كيف لا وهو يدير مطبعة الزوراء و هي اول مطبعة آلية في بغداد كما و انتمى والده إلى اكثير من الجماعات الادبية و التي كان يسمح لبشير حضورها معه.

 

درس الاستاذ بشير في بغداد و الموصل على اثر تنقلات ابيه فيهما، و من ثم اكمل دراسته في دار المعلمين العالية ليتخرج منها عام 1931، في فترة دراسته تلقى علومه من اعلام العراق امثال العلامة الأب أنستاس الكرملي و الاستاذ ناجي الاصيل و الاستاذ ساطع الحصري و زامل أفذاذ علماء العراق كالعلامة الاستاذ طه باقر و الاستاذ فؤاد سفر و الدكتور جواد علي .

 

بعد التخرج عام 1931 بدأ يدرس التأريخ القديم و هو مادة إختصاصه و استمر يدرس في دار المعلمين العالية لمدة ثمان سنوات حتى 1938

الصورة تبين السيد بشير كما ويمكنا ان نشاهد السيد ساطع الحصري في المنتصف

بعد التخرج من دار المعلمين العالية في العام ١٩٣١ درس الاستاذ بشير التاريخ القديم للعراق وسوريا و فلسطين ومصر و درس السومريين و الاكاديين والفينيقيين و الآراميين و الكنعانيين والفراعنة، كان الاستاذ بشير لا يلتزم بالكتب المقررة بل يدرس طلابه على امهات المصادر في التأريخ القديم وكان يستخدم كل طاقاته في ايصال الفكرة لطلابه فراح يرسم الخرائط و اللقى الآثارية و الصور التوضيحية فقد كان الاستاذ بشير رساما منذ الصغر، و لنبوغه في التدريس انتدبته وزارة المعارف لكتابة منهج التأريخ لاحد المراحل الدراسية في العام ١٩٣٦ كان بشير فرانسيس في بيت الاستاذ ساطع الحصري مدير الآثار العام يقلب كتابا عن بغداد فسأله الحصري قائلا:

 

- هل لك رغبة في ان تعمل في مديرية الآثار العامة ؟

 

- اجتهادك يا ابا خلدون 

 

وبعدها بأيام شاركه مدير المدرسة الغربية تقريراً كتب عنه يقول :

 

" نظراً لما يتمتع به السيد بشير فرانسيس من خصلة في حب الآثار اقترح اضافة الآثار كمادة ضمن المنهج "

 

لذلك تم تعيين بشير فرانسيس في مديرية الآثار العامة عام ١٩٣٨ بأمر من وزارة المعارف.

 

كيف كانت ايامه الاولى في مديرية الآثار العامة؟ وكيف اصبح آثاريا

 

وبعدها بأيام شاركه مدير المدرسة الغربية تقريراً كتب عنه يقول

 

 

الصورة تظهر بشير فرانسيس في الوسط و إلى اليسار منه طه باقر و من ثم فؤاد سفر جالسون على قمة باب نرجال

في اول يوم له في المديرية ألقى عليه ساطع الحصري مجموعة ضخمة من الكتب و التقارير و قال له هذه ثلاث اشهر ادرس فيها جميع هذه الملفات لا سيما العلمية و الفنية و لم يوجه بشير اي سؤال للحصري و لم يشرح الاخير له أي شيء بل دأب يدرس تلك الملفات حتى أحاط بها فأحاط بأعمال المديرية و ادارتها فأعد تقريرا بعنوان اساسيات العلم الوطني في الآثار ... عندما رأىساطع تقرير بشير و هو صاحب الخبرة و العمل مع البعثات الأجنبية رأى ان تقرير بشير بجودة تقارير الخبير الأجنبي فخطر على بال الحصري (إذا ما فائدة الخبير الاجنبي بعد الآن ؟)

 

و لإكمال برنامج الحصري لتدريب بشير فرانسيس على التنقيب ارسله إلى الكوت للإلتحاق بالبعثة التنقيبية هناك و التي ضمت نخبة من رواد التنقيب في العراق بينهم شيخ الحفارين و المنقبين الأستاذ المهندس محمد علي مصطفى و جعل الحصري من بشير مساعدا لرئيس الهيئة التنقيبية و من هنا بدأت رحلة فرانسيس في التنقيب و مرة أخرى نراه يستخدم كل طاقاته في التنقيب فكان يرسم الخرائط و اللقى الآثارية كما كان يفعل رواد علم الآثار العالميون و كان جوالا مغامرا مستكشفا استخدم الجغرافيا و الجيولوجيا و التأريخ في كتابة تقاريره مما جعلها شاملة لكل النواح و كان من ابرز اعماله التنقيبية هو إكتشاف باب نرجال المزين بالثيران المجنحة و من ثم سور نينوى في الموصل و هو باب آخر يفتخر به العراق بعد باب عشتار ...

 

بعد فترة ليست بالطويلة إكتسب بشير كل الخبرات اللازمة لتصنع منه منقب آثار ناجح ...

 

الآن لماذا يعتبر بشير فرانسيس من أهم اعلام آثار العراق؟ و ماهو الدور الريادي الذي لعبه في أكثر من صعيد؟

لم تكن اهمية بشير فرانسيس في كونه منقبا فذا بل لكونه برز في حقول لم يبرز إليها احد فقد تميز الأستاذ بشير بميزتين الأولى انه كان جوالاً منذ ان كان شابا كان يحب التجوال و المغامرة و الترحال، فكان بشير يتجول في صحراء العراق و سهوله و يتسلق جباله ليستكشف المواقع الأثرية التي لم تطأها رجل إنسان فكتشف الكثير من المواقع التي لم تكن معروفة و رسم خرائط لها و حدد مكانها و يذكر انه في إحدى إستكشافاته تفاجأ بأن نصف سيارته قد تعلق فوق فراغ لواد عميق... و مرة ثانية تسلق سفح احد جبال السليمانية ليهاجمه افعى كبير تخلص منه بمساعدة رفيق له و ليكتشف في هذه الرحلة كهف زرزي واحد من اهم مواطن الإنسان القديم و مرة اخرى نجا من محاولة إختطاف قام بها سراق الآثار لشكله الذي يوحي بالثراء و مرة أخرى تنزلق قدم البغلة التي يعتليها فيتعلق بين السماء و الأرض بعنق البغلة حتى يتمسك بالصخور و يرفع نفسه إكتشف بشير فرانسيس اكثر من الف موقع آثاري و لا أعتقد ان قام عالم آثار سابق بذلك.

 

اما السبب الثاني في كون بشير واحد من اهم علماء الآثار في تأريخ العراق هو الفترة التي اصبح فيها مفتشا عاما للآثار عام 1941 و كان قبل ذلك يتألم عند التنقيب بموقع عبث فيه اللصوص و كان يصف بتقاريره كيف ان اللصوص دمروا الموقع فما ان اصبح مفتشا حتى بدأ الحرب معهم ليبدأ أولا بوضع القوانين التي تجرم تمليك الاثار المكتشفة في ارض مواطن ما له و تجريم تصدير اي قطعة اثارية للخارج و كان التحقيق يفتح مع اي شخص يكتشف انه يحتفظ بقطعة اثرية و لذلك فقد التجار قدرتهم على نقل القطع الآثارية لسوقهم كما و ان صعوبة تصدير الاثار للخارج قلل اقبال الاجانب عليها و كان من عرف عليه التجارة بالاثار معرض للتفتيش في اي وقت و لم يكتف بذلك بل ان بشير كان يرافع بنفسه امام القضاة في قضايا تجاوز المواطنين على المواقع الاثارية و على الرغم من ان بعضهم ذو ظهر عشائري كبير و نظم قانون تقاسم القطع الاثارية بين العراق و البعثات 

 

 

المنقبة فكان التقسيم لا يحدث إلا بحضوره فصان للعراق حقه من تلك القطع و سن بشير فرانسيس مع طه باقر و اخرين الكثير من القوانين التي ضمنت للاثار حقها و تعرض في اكثر من مرة للتهديد من قبل بعض الاشخاص من تجار الاثار المدعومين بعشائرهم إلا انه لم ينثن عن امره و تسبب في تعتقال الكثير منهم و كان يساعد الشرطة في القاء القبض عليهم من خلال رسم الخرائط المؤدية إلى أوكارهم.

 

لهذين السببين العظيمين كان بشير فرانسيس رائدا في علم آثار العراق و أحد المؤسسين له هذا و لم نتكلم عن ابحاثه و مؤلفاته و مقالاته لإلتزامنا بحجم معين للمقال آملين ان ينطلق المهتم في البحث عن اعلام العراق لنتعرف عليهم و نعطيهم حقهم.

 

الصورة أعلاه تبين المهندس محمد علي مصطفى و المصور الآثاري جعفر الحسيني و الأستاذ بشير فرانسيس

علي طالب

bottom of page