فاضل عبد الواحد علي
في العام 1935 ولد الأستاذ فاضل عبد الواحد علي في البصرة و بعد إنهاء دراسته المدرسية انتقل إلى بغداد ليكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب و العلوم قسم الآثار و الحضارة عام 1953 و درس علي يد نخبة من رواد علم الآثار العراقي أبرزهم الأستاذ العلامة طه باقر حيث يصفه الأستاذ فاضل عبد الواحد علي بقوله:
" من خلال تتلمذي على يد الدكتور طه باقر عرفت عنه حبه اللامتناهي لسيرة البطل كلكامش فقد احبه اكثر من غيره فإذا كانت الملحمة تبدأ بالبيت الشهير هو الذي رأى كل شيء فأنا اقول للأستاذ طه باقر هو الذي عرف كل شيء "
حصل الأستاذ فاضل عبد الواحد علي على البكلوريوس في علم الآثار من جامعة بغداد في العام 1957 و يذكر الأستاذ الدكتور بهنام ابو الصوف لقاءه بالأستاذ فاضل في جامعة بغداد قائلا
كنت من طلاب الدفعة الاولى في قسم الآثار لذلك كنا مادة لإهتمام القادمين الجدد إلى القسم فكان الأستاذ فاضل أكثرهم اهتماما وجدية في الاستفسار وأكتساب المعرفة، وقد شدّ أنتباهي منذ الأسابيع الأولى للسنة الدراسية بإلتزامه التام على حضور المحاضرات وعدم التخلف عن أي منها، ثم جلوسه الدائم في مكتبة الكلية في ساعات الفراغ وبعد انقضاء اليوم الدراسي.
انتدب الأستاذ فاضل عبد الواحد علي لتفوقه لبعثة دراسية إلى أمريكا فإنتقل إلى هناك ليكمل دراسته العليا في جامعة بنسلفانيا و على يد من؟ على اليد العالم الكبير الأستاذ سامويل نوا كريمر أستاذ السومريات في جامعة بنسلفانيا و تمكن الأستاذ فاضل عبد الواحد من الحصول على شهادة الماجستير في مادة السومريين وآدابهم في العام 1960 و من ثم الدكتوراه في فلسفة الآثار عام 1963 و نشرت له جامعة بنسلفانيا في العام 1964 كتاب بعنوان رسائل سومرية: مجموعتين من المدارس البابلية القديمة بحجم 310 صفحة و يمكن تتبع هذا الكتاب في المكتبات الإليكترونية باللغة الإنكليزية.
عاد الأستاذ الدكتور فاضل عبد الواحد علي للعراق ليكن استاذا في جامعة بغداد ويبدأ تدريس اجيال جديدة من الآثارييين العراقيين
لكن اين تكمن اهمية الأستاذ الدكتور فاضل عبد الواحد علي؟
تكمن اهمية الدكتور فاضل عبد الواحد علي في كون إختصاصه في السومريات، و معرفته باللغة السومرية بالإضافة إلى اللغات الأخرى كالأكدية و الآرامية جعلته واحدا من القلائل الذين يجيدون قراءة هذه اللغة بسهولة، ما فعله الدكتور فاضل هو إستغلال هذه الخاصية و توظيفها بالطريق الصحيح لينتج نتاجا تميز به عن غيره، فمما لاشك فيه ان الحضارة السومرية هي اكثر الحضارات غموضا من حيث إننا لم نكن نعلم عنها شيئ على عكس البابلية و الآشورية التي وردت لنا عنها اخبار حتى قبل حل اللغة الأكدية من التوراة او حتى من تاريخ هيرودوتس لذلك هناك اهمية خاصة للسومريين و نصوصهم كونها المصدر الوحيد الذي يخبرنا عنهم بالتالي تميز الاستاذ الدكتور فاضل بأنه انكب على دراسة النصوص السومرية المحفوظة في المتحف العراقي تلك التي لم يتعرض لها احد و التي لم نعرف معانيها ابدا فكان ينقب فيها و يقارن ويترجم ليضيف نصوصا جديدة لنتاجنا الأدبي او العلمي القديم معدلا او مكملا لإسطورة هنا و أسطورة هناك ناشرا كل ابحاثه و مكتشفاته في كتبه او في اهم المجلات انذاك منها مجلة سومر و أعطاه ذلك صفة الإحاطة بما هو معروف و ببعض مما هو ليس معروف عن الحضارة السومرية فأصبح الدكتور فاضل عبدالواحد علي مرجعا بحد ذاته في الحضارة السومرية.
كما اشرنا سابقا ان الدكتور فاضل عبد الواحد كان مختصا في السومريات لذلك خصص جزءا كبيرا من مؤلفاته تناقش السومرين اصولهم عاداتهم لاهوتهم و آدابهم و اصدر مجموعة من المؤلفات المختصة غير العامة اهمها:
- عشتار و مأساة تموز
- الطوفان في المصادر المسمارية
- عادات و تقاليد الشعوب القديمة
- من الواح سومر إلى التوراة
- سومر أسطورة و ملحمة
- تاريخ العراق القديم
- شارك في تأليف موسوعة العراق في التأريخ
مع مؤلفات اخرى و مقالات في مجلة سومر و سأتكلم بإيجاز عن عشتار و مأساة تموز و الطوفان في المصادر المسمارية كوني لم استطع ان احصل على غيرهما من مؤلفاته الكتاب يتناول عشتار بصورتها الأكبر اي كونها آلهة أنثى فيناقش الأعتقادات الأولى بالآلهة الأم و تطور نظريتها و من ثم تقولبها في عشتار و يناقش اهميتها لدى العراقيين القدماء كونها آلهة الخصب و يتكلم عن بعض الطقوس لما يعرف بالزواج المقدس اوقاته و اسبابه و كيف كانت ممارسته و ينتقل إلى دموزي ليتكلم عنه و عن علاقته بخصوبة الحياة القديمة و كيف تفسر الأسطورة على ارض الواقع من موت و حياة دموزي الدورية و كيف تتم ممارسة طقوس الحزن عليه بعد موته و من ثم كيف يعيش مرة أخرى و كيف ينبت من الأرض كما تنبت الأشجار و من ثم ينقل النص الكامل لنزول عشتار للعالم السفلي.
- تاريخ العراق القديم
أما كتاب الطوفان في المصادر المسمارية فهو يناقش موضوع لازال يثير الجدل حتى اليوم ألا وهو الطوفان و استطيع ان اقول ان الدكتور فاضل استطاع ان يحيط بموضوع الطوفان من كل جوانبه من حيث اولا ناقشه ميثولوجيا في كل من النسخة السومرية و البابلية و تلك التي في ملحمة كلكامش و تلك التي وردت في التوراة و يناقش و يشتق المعلومات التي ترد في كل تلك النسخ و ما تشير اليه من عقائد و إيمانات و يصف بدقة ماحصل على وفق تلك المصادر و من ثم يناقش الأمر علميا و يتعرض للإستكشافات الأثرية التي أكدت او نفت حدوث الطوفان و بعض آراء الآثاريين الذين بحثوا في هذه الحادثة و لا يفوتني ان اقول ان الاستاذ فاضل بدأ بكتابه منذ العصور الأولى آثاريا و ميثولوجيا فتكلم عن خلق الإنسان و نقل نص قوائم اسماء ملوك العراق القديمة الشهيرة لذلك فهو افضل مصدر يتكلم عن الطوفان و يتعرض في هذا الكتاب ايضا إلى اصل السومريين حيث يرى الأستاذ فاضل ان السومرين هم من سكان العراق الأصليين الذيين نزحوا إلى العراق قبل فترة طويلة جدا من اختراع الكتابة و ان الحضارة نشأت في شمال العراق و نضجت في جنوبه.
الأستاذ الدكتور فاضل عبد الواحد علي طريح الفراش اليوم و هو بأشد الحاجة إلى العلاج و نتمنى ان تلتفت اليه الحكومة العراقية قبل ان نفقد قامة من قامات علم آثار العراق