top of page

صراع على عرش آشور

ولد آشوربانيبال اخا  لخمسة أخوة و اخت واحدة و كان ترتيبه الثالث بين اخوانه حيث كانوا على الترتيب:

1- (سين – ايدينا – ابلا) الابن البكر لآسرحدون كان قد توفى مبكرا
2- (شمش- شوم - اوكن) الابن الثاني الأكبر 
3- (آشوربانيبال)
4- (شمش – شوم – ميتا – لوباليت)
5- (آشور – موكن – بيليا)
6- (آشور – اتل – شم – ارصتي – بالطيسو)
7- و اختهم (شيروا – ايتيريت)

لم يعرف لحد الآن أسم والدة آشوربانيبال ولكن امكن معرفة اسم زوجته حيث تزوج آشوربانيبال في حياة والده (آسرحدون) من (آشور – شرات) و أنجب منها ابنين هما:

1- (آشور – أتل – إيلاني)
2- (سين – شار – إيشكن)

يتألف أسم آشوربانيبال من ثلاث مقاطع هي:

1- آشور: وهو أسم الإله آشور إله الآشوريين القومي 

2- بان (او بانو) و التي مشتقة من (بنى) أي خلق أو أنشأ أو أنجب

3- ابلي (أو أبلو) والتي تعني (الأبن)

و بجمع المقاطع الثلاث يكون معنى الأسم الكامل (آشور – بانو – ابلي) هو (آشور خالق الآبن) أو (الإله آشور خالق الابن " الوريث").



 

أعتنى الملوك الآشوريون بتربية أبناءهم و اهتموا كثيرا بأعدادهم لتولي مناصبهم في المستقبل و كانت تلك التربية تشمل عادة فنون القتال و جميع معارف ذلك العصر.

لكن آشوربانيبال خضع لتربية خاصة أولاها له ابوه الملك آسرحدون حيث انها بدأت بوقت مبكر من حياته فخصص له ابوه معلما شخصيا يشرف على تربيته و تهذيبه و هو المعلم (نابو – أخي – أريبا) و الذي بدأ يشرف بشكل مباشر على تهيئة آشوربانيبال و تطوير معارفه و هيأ له كل المستلزمات الضرورية لاعداده فعلمه اللغة السومرية و التي كانت في وقته لغة مقدسة لا يتكلم بها سوى الكهنة و العلماء بالأضافة الى مجموعة من العلوم و لذلك تمتع آشوربانيبال بالثقافة القديمة و بالمعرفة ذات الجذور الممتدة في الماضي محبا للمعرفة جامعا لها و لربما غرز المعلم (نابو – أخي – أريبا) ذلك فيه.

يصف آشور بانيبال نفسه قائلا:

" أمتلكت فن سيدي أدابا و تعلمت المعرفة الخاصة بالكتب، علامات السماء و الأرض و درست الفأل و النبوءة مع أساتذة الكهنة، و أستطعت أن أحل مسائل متعددة في الضرب و القسمة و أتقنت فن الكتابة السومرية و الأكدية البالغة التعقيد، و كنت استمتع بقراءة الأحجار و الأنصاب التي تعود الى أزمان ما قبل الطوفان "

و يعتقد ان هذه التربية الفريدة التي خص بها آشوربانيبال جاءت كونه كان يعد ليحتل مركزا لاهوتيا كبيرا كأن يكون كبير الكهنة أو ما شابه ذلك لأن تربيته كانت على مستوى واسع جدا....

الحقيقة نحن ابناء الرافدين لا بل الأنسانية جمعاء، ندين لهذه التربية و ندين لآسرحدون نفسه في أعداده لأبنه بهذه الطريقة وندين للمعلم (نابو – أخي – أريبا) و ندين لآشوربانيبال الملك في وصول الجزء الكبير من علوم وادي الرافدين الينا ... حيث ان هذه النشأة و حب آشوربانيبال للمعرفة هو الذي حفظ لنا الكثير من تلك العلوم، حيث ان المكتبة التي آنشأها كانت عامرة بانواع المؤلفات الرافدينية و بمختلف المجالات حيث كان الملك مهتم شخصيا بجمع هذه المؤلفات من كل ارجاء وادي الرافدين و التي بلغ عدد ما اكتشف منها لحد الآن أكثر من 25000 رقيم مسماري و سنفصل جزءا خاصا من هذا البحث لنتحدث عن هذه المكتبة الضخمة و لربما سنورد بحثا خاصا عن المكتبات في وادي الرافدين.


 

لم تقتصر تربية آشوربانيبال على الجوانب الثقافية و العلمية، بل تعدت ذلك الى الجوانب العسكرية و فنون القتال خاصة ان الامبراطورية الآشورية بنيت على أساس عسكري قوي بحكم الظروف التي تحيط بها، و لذلك اخضع آسرحدون ابنه آشوربانيبال لممارسة التدريبات العسكرية و بشكل خاص رياضة الفروسية و الصيد و التدريب على رمي الرماح و قيادة العربات الحربية يعتقد ان مدرب آشوربانيبال الشخص كان يدعى (نابو – شار – أوصر) و الذي تبوأ فيما بعد منصب كبير السقاة، و يصف آشوربانيبال تلك التدريبات قائلا:

" هذه هي نشاطاتي كل يوم: أمتطي فرسي و أسير مرحا ثم أقصد مقصورة الصيد و أحمل القوس و أجعل الشمس يطير رمزا لشجاعت، أقذف الرمح الثقيلة كما لو انها كانت مصنوعة من الخشب و أمسك باللجام كقائد العربة فأجعل العجلات تدور. و تعلمت معالجة التروس الثقيلة مثل قوّاس ماهر بكامل عدتهو رغبت في ان اصبح سيدا عظيما لكل الرجال المهرة، و في الوقت نفسه كنت أجهد في تعلم الآداب و السلوك الملكية، فكنت امثل امام ابي و أصدر الأوامر الى النبلاء و الامراء"


 

ولاية العهد

كان الحاكم الآشوري يختار خليفته بنفسه و يجعل الأعضاء الآخرين للعائلة المالكة يعترفون و يبايعون ولايته للعهد امام الملأ و من الوجهة النظرية كان الإله آشور هو الذي يوحي للملك بهذا الأختيار.

بعد ان يتم تحديد ولي العهد يترك بيت ابيه (قصر الملك) ليدخل (بيت ريدوتي) المكان الذي تجري فيه نهيئته للقيام بواجباته الملكية خير قيام.

تشير جميع الشواهد التاريخية الى شيوع عادة تفضيل الابن الاكبر على سائر الأخوة في كثير من شؤون العائلة و لذلك فهو الجدير بتبوء مركز الصدارة في إدارة شؤون العائلة بعد وفاة ابيه ألا في حدوث حالات استثنائية يفضل فيها ابن آخر غير الابن البكر.

و لما كان تفضيل الابن الاكبر على سائر الاخوة في العائلة البسيطة امرا سائرا في مجتمعات وادي الرافدين كافة من اقدمها الى احدثها كان لابد ان يكون الامر كذلك في العوائل الملكية و فعلا دأب الرافدينيون على تولية ابناء الملوك البكور عليهم و لم يشذ عن هذه القاعدة الا ملكين آشوريين هما سنحاريب و آسرحدون ............ و كان اختيار هذين الملكين لولاة العهود محل أستغراب و بحث طويلين من قبل الباحثين حيث اختار الملك سنحاريب ابنه الاصغر آسرحدون لولاية العهد و كذا فعل آسرحدون مع اولاده.....

و لكن هناك تفصيلة في قصة أختيار آشوربانيبال لولابة العهد من قبل أبيه آسرحدون حيث كانت طريقة الاختيار كالتالي.....

كان لآسرحدون ستة ابناء ذكور اكبرهم هو (سين – أيدنا – أبلا) و من بعده (شمش – شوم – أوكن) و من ثم (آشوربانيبال) ....... أختار آسرحدون ابنه البكر كما هي عادة ملوك آشور لولاية العهد لكنه توفى مبكرا الامر الذي جعل آسرحدون يمر بأزمة لتحديد ولي عهد جديد إلى ان استقر رأيه على تعيين الابن الأصغر آشوربانيبال ولي عهد على بلاد آشور و وضع اخوه الاكبر (شمش – شوم – أوكين) و لي عهد على عرش بابل في محاولة لربما لإرضاء الابن الاكبر الذي يرى بلا شك ان ولاية العهد من حقه.....


 

أصداء ولاية العهد

هاهو آسرحدون يكرر ما فعله والده بتفضيل ابنه الاصغر على الاكبر في خلافته ..... انقسم سكان وادي الرافدين في رؤيتهم لهذه الخطوة الى قسمين حيث أيدها بعضهم في الوقت الذي اعتبرها بعضهم الآخر انتهاكا للاعراف المتبعة و تجاوزا على حق الابن الاكبر في خلافة والده فيما انضم الى كل من الفريقين مجموعة من اصحاب النفوذ و السلطة بحسب تأثير هذا القرار على بعضهم سواء بالسلب او الإيجاب لذلك ظهر كما اشرنا فريقين أحدهما كان مؤيدا للقرار في حين كان الآخر معارضا........ لا ننسى ان بابل في هذه الفترة كانت تحت السيطرة الآشورية و بابل رغم انها تحت سلطان آشور إلا انها مهابة من قبل الملوك الآشوريين و تشعرهم بالتهديد حيث انها مانفكت عن اعلان الثورات بين الفينة و الأخرى و لذلك انضمامهم الى اي من الفريقين امر مهم بالنسبة لملك آشور ...... و لذلك كان آسرحدون يرمي الى آمرين بتعيينه ابنه الأكبر شمش – شوم – اوكين ملكا على عرش بابل ... الامر الاول يكمن في ارضاء ابنه البكر و مريديه الذين يرون بلا شك حقا له في ولاية عهد ابيه .... اما الامر الآخر كان في محاولة منه اشعار البابلين بأهميتهم و قيمتهم فهم الوحيديون من بين المدن الآخرى الخاضعة لسلطان آشور سيحصلون على ملك بمنزلة ملك آشور فيصبح لهم ما هو اشبه بالحكم الذاتي.





 

علم آسرحدون ان قراره بتعيين آشوربانيبال خليفة له لن يمر دون اعتراضات فهو نفسه عاش هذه الحالة عندما ولاه ابوه سنحاريب ولاية العهد و هو الاصغر بين أخوته الامر الذي افضى آخر الامر الى اغتيال الملك سنحاريب على يد ولديه لذلك كان آسرحدون قد قام بعدة إجراءات لضمان عدم حدوث اضطرابات جراء هذا القرار....



 

حاول آسرحدون ان يمتص كل ردود الفعل المعترضة على قراره في تعيين آشوربانيبال وليا للعهد و من ابرز ما قام به هو اخذ البيعة له في اجتماع رسمي حضره أمراء و قواد الجيش و السفراء و ممثلون من الاقاليم التابعة للامبراطورية الآشورية....

و خلال التنقيبات في مدينة كالح العاصمة الآشورية (نمرود حاليا) و التي اجريت في العام 1955، تم العثور على ثمان الواح مسمارية دونت عليها معاهدات تضمنت توصيات لتنصيب آشوربانيبال ملكا على عرش آشور و أخيه شمش – شوم – اوكين ملكا على عرش بابل على ان يكون خاضعا لأخيه آشوربانيبال و معترفا بسيادته على كل ارض آشور ولكم بعض من نصوص احدى هذه المعاهدات و التي كانت موجهة الى (رويتايا) حاكم مدينة (اوركزبانو) الميدية جاء فيها:

 

"  هذه هي المعاهدة التي عقدها معكم آسرحدون ملك بلاد آشور أمام الآلهة العظيمة للسماء و الارض و نيابة عنها من أجل تعين ولي العهد المرشح آشوربانيبال ابن سيدكم آسرحدون ملك بلاد آشور، فعليكم ان تنصبوه و سيمارس عليكم ملكية و سيادة بلاد آشور، و اذا لم تحموه في الريف و المدينة و لم تقاتلوا من اجله و لم تتكلموا معه بصدق تام و لم تنصحوه دائما بنصيحة صادقة و بأخلاص تام و لم تمهدوا طريقه في كل ناحية و اذا ابعدتموه و 

 

نصبتم محله على عرش آشور أحد اخوته صغيرا كان ام كبيرا و اذا سمحتم لأحد ان يغير قرار آسرحدون ملك بلاد آشور و اذا لم تخضعوا لولي العهد المرشح آشوربانيبال ابن آسرحدون ملك آشور سيدكم و لم تمكنوه من ممارسة الملكية و السيادة عليكم و اذا لم تحبوا آشوربانيبال ابنت سيدكم آسرحدون كما تحبون انفسكم و اذا افتريتم امام ولي العهد و تكلمتم بالشر عنه و رفعتم ايديكم على ممتلكاته و اقترفتم ذنبا بحقه و اذا حرضكم احد من اخوته او اعمامه او ابناء اعمامه او أقرباءه او اي شخص من اقارب والده او حليفه من ملوك سابقين او اي امير او حاكم آشوريا كان ام اجنبيا في مؤامرة و قال لكم اوشوا بولي العهد و قولوا عنه امورا ملفقة و شريرة و اذا مات آسرحدون و قتل احد موظفي البلاط ولي العهد آشوربانيبال و اغتصب الملكية و وقفتم الى جانبه و اصبحتم من اتباعه و لم تثوروا و تلقوا القبض عليه و تقتلوه فلستم من بلاد آشور و يتعذر عليكم العيش فيها....

 

اذا مات آسرحدون فعليكم مساعدة آشوربانيبيال لإعتلاء عرشبلاد آشور و عل اخاه شمش – شوم – اوكن لاعتلاء عرش بابل."

 

ان التدابير التي اتخذها آسرحدون لم توقف شعور التذمر و عدم الرضا الذي ساد اتباع (شمش – شوم – اوكن) فأظهروا عدم ارتياحهم لعملية توزيع العرش بين الآخوين و في الوقت الذي كتم الكثير منهم رفضهم لهذا التقسيم كان للبعض الآخر صوت معبر على هذا الرفض حيث عثر على نص مسماري يحوي على رسالة كتبت من قبل (ادد – شوم – اوصر) وهو احد مستشاري الملك آسرحدون يعلق فيها على قرار تولية آشوربانيبال عرش ابيه قائلا:

" لقد فعل الملك سيدي على الأرض فعلة لم يسبق ان فعلها أحد حتى في السماء و قد جعلنا شهودا عليها، لقد خلعت على أحد أبنائك الكسوة الملكية و جعلت منه ملكا على بلاد آشور و جعلت أبنك الأكبر وريثا على عرش بابل، ان ما فعله الملك اتجاه ابنه ليس في صالح بلاد آشور و يقينا ايها الملك نجد بلاد آشور هي التي منحتك السلطان، فأن قلبك قد يرضى، و مع ذلك فأن الملك سيدي نفذ خطة شريرة و لذلك صرت ضعيفا في هذه البلاد"


هنا لجأ آسرحدون الى القوة في إسكات المعترضين فقام بنفي (أدد – شوم – أوصر) الى مدينة عكادة.
 

ولم يكتف بعض المعترضين بالتصريح برفضهم بل قاموا بعصيان وتمرد عالجه آسرحدون بالسيف فقتل في العام 670 قبل الميلاد مجموعة من امراء القصر ممن لم يقبلوا بولاية آشوربانيبال و قادوا تمردا في القصر.

ولم يقصر الاعتراض على تولية آشوربانيبال القصر على اتباع (شمش – شوم – اوكين) الذي شخصيا لم يبد اعتراضا ظاهريا على الاقل بل امتد الاعتراض حتى ابنة آسرحدون الاميرة (شيروا – اتيريت) و التي لم تتقبل قط بأن تستأثر بدور السيدة الأولى (آشور – شارات) زوجة الأمير آشوربانيبال و نشبت بينهما معركة كلامية تطلبت تدخل القصر الملكي لإخمادها.

اذا استخدم آسرحدون كل الوسائل من اجل اكمال خطته في تولية آشوربانيبال عرض اشور و ضمن ان يتولاه من بعده دون وجود اي قوة تعترض طريقه و بعد ثلاث سنين من اعلان آشوربانيبال وليا للعهد توفى آسرحدون في العام 669 قبل الميلاد و هو في طريقه لإخماد تمرد طهارقة (فرعون مصر) كما نذكر في سلسلة الأحتلال الآشوري لدولة الفراعنة (راجع السلسلة من الرابط

  http://gilgameshalsumari.wix.com/gilgameshalsumari#!---/cmdd ) و عندها توج الامير آشوربانيبال ملكا على عرش آشور 

أن اعتلاء الملك الجديد عرشه كان يتم رسميا بعد ان تجري المراسيم الخاصة بالتتويج كما ان طقوس دفن الملك المتوفى كانت تتم سوية مع حفلة تتويج ولي العهد و التي تجري حصرا في العاصمة الآشورية القديمة (آشور) دون عن العواصم الآشورية الثلاث الاخرى (نينوى، دور شروكين و كالح)و كان الاحتفال يقام في معبد الإله آشور حيث انه الإله المخول بتسليم شارة الملوكية للملك الجديد.

يحمل ولي العهد على اكتاف الرجال في موكب متوجه نحو المعبد يتقدمه الكاهن و هو يضرب على الطبل و يصيح (آشور هو الملك ....... آشور هو الملك) في إشارة الى ان ولي العهد لم يصبح ملكا بعد و ان الملك حاليا هو الإله آشور و ان ولي العهد في طريقه الى تلقي الملوكية من الإله آشور و هو وحده من يختار الملك....

يدخل ولي العهد الى المعبد و يقبل الارض ثم يتجه نحو المحراب الذي يقام فيه تمثال الإله آشور، يركع في حضرة الإله و يقدم له الهدايا التي تتضمن اناء ذهبي مملوء بالزيت و آخر فضي و كساء .... و يتبعه الكهنة بوضع هدايا أخرى خاصة بالآلهة الأخرى ...... يمسح ولي العهد تاج تمثال الإله آشور بالزيت الموجود بالاناء الذهبي ....... عندها يحمل الكاهن التاج و الصولجان على بساط و يقدمهما الى ولي العهد و يقلده التاج و يقول:

" التاج على رأسك، فعسى آشور و ننليل (زوج آشور)، سيدا التاج يجعلانه يدوم على رأسك مائة عام، قدماك في إيكور (معبد الإله آشور) و يداك مرفوعتان مبسوطتان تدعوان الى إلهك آشور الذي أختارك فعسى كهانك و كاهناتك و اولادك يجدون الخير و الاحسان من الإله آشور، و عسى ان تجعل بصولجانك العادل البلاد واسعة، و عسى ان يمنحك آشور الرضا و العدل و السلام"

و عند عودة الموكب الى القصر يجتمع موظفوا الدولة امام الملك و يبدون ولائهم له و يقدمون له الهدايا و الامانات و يقومون بخلع الشعارات الحكومية رمزا الى تخليهم عن مناصبهم ثم يقفون بالترتيب حسب القدم ليسمحوا للملك الجديد ان يختار من بينهم مستشاريه، بأمر من الملك بعد ذلك يحتفظ كل واحد من موظفيه بوظيفته و يأخذ رجال الدين شعاراتهم ثم يصلي الكاهن بعد ذلك على العرش و هو يردد:

" عسى الاله آشور يمنحك الرضا و العدل و السلام "

و يقول آشوربانيبال في تتويجه ما يلي:

" آسرحدون ملك بلاد آشور، ابي الذي أنجبني، نفذ كلمة الأله آشور عندما منحني الامر بممارسة السلطة في شهر آيار شهر الإله أيا سيد البشرية في اليوم الثاني عشر، اليوم السعيد، هذا الامر الرفيع من الأله آشور و الآلهة العظيمة الذين قرروا بعضهم مع بعضهم الآخر أن أحكم سكان بلاد آشور الكبار و الصغار من البحر العلوي الى البحر السفلي وذلك لانهم وافقوا على منحي تاج الإمارة"

اذا في العام 669 قبل الميلاد توج آشوربانيبال ملكا على عرش آشور و كتم ما تبقى من المعترضين رفضهم في قلوبهم فهل انتهى الامر عند هذا الحد؟؟ 

نفذت وصايا الملك آسرحدون بتتويج آشوربانيبال ملكا على آشور و تتويج اخوه الاكبر شمش – شوم – اوكن ملكا على عرش بابل مع الاعتراف بسيادة آشوربانيبال عليه و تم الامر في العامين 669 و 668 قبل الميلاد ....... لم يبد شمش – شوم – اوكن امتعاضا من قرار ابيه على الاقل ليس ظاهريا لكنه بلا شك كان يمني نفس للفوز بعرش آشور الذي لربما يعتبر نفسه احق على اعتلاءه من أخيه آشوربانيبال .....
في نفس الوقت كانت بابل تتمرد على الحكم الآشوري منذ ان فرضت آشور سيطرتها على بابل و استمرت الثورات في بابل طيلة حكم الملوك الآشوريين حتى قمعها سنحاريب بكل وحشية فأحرق المدينة ثم فتح عليها نهر الفرات فاغرقها . لكن في يام حكم آسرحدون بن سنحاريب حاول ان يغير من طريقة تعامله مع البابليين فأعاد لهم بعض مكانتهم من خلال اعادة توزيع الاراضي المغتصبة منهم و من خلال اعادة تعمير المدينة و اعادة تماثيل الالهة الى معبد الإيسكالا في بابل......


 


لكن مع ذلك كان البابليون يطمحون للاستقلال و يستغلون اي فرصة سانحة لتحقيق هذا الطموح.... و فعلا شعر البابليون بوجود صراع بين الاخوين آشوربانيبال و شمش – شوم - اوكن و كانوا يرون في هذا الشرخ بينهم و هذا التوتر فرصة مؤاتية لتحقيق هذا الحلم فراحوا يدعمون شمش – شوم – اوكن و يحرضوه على اخيه و يشعرونه بأن بابل تستحق السيادة على آشور و انه الاحق بالحكم و فعلا تأثر شمش – شوم – اوكن بذلك حيث نلاحظ في الرسائل الملكية المرسلة منه الى اخيه اشوربانيبال بأن تلك الرسائل كانت تفتتح بماركة الآله البابلية حصرا دون اي ذكر لآلهة آشور و كان شمش – شوم – اوكن لا يخاطب اخيه كملك مطلق و لا يختم رسائله بكلمة "خادمكم" و التي دأبت العادة على كتابتها عندما توجه الرسالة الى ملك آشور.

و على مدى ستة عشر عاما قامت علاقة ودية بين آشور بانيبال و أخيه شمش – شوم – اوكن على الاقل ظاهريا و كانت الخطابات بينهم تشتمل اللفظ (أخي الشقيق) ولكن بتحريض البابليين لشمش – شوم – اوكن للتمرد على اخيه و لبعض تصرفات آشوربانيبال التي يرى فيها شمش – شوم – اوكن تعديا على حقوقه كأن يقدم آشوربانيبال القرابين لآلهة بابل أو ان تعمر المدينة بأسم آشوربانيبال او ان يضع الملك الآشوري حامية تراقب تصرفات شمش – شوم – اوكن و بعدم انصياع بعض الموظفين في بابل لأوامر شمش – شوم – اوكن و لا ينفذون الا ما يصدر عن آشوربانيبال ..... كانت هذه الاسباب و غيرها كفيلة يتغيير تلك العلاقة الودية الظاهرية بين الأخوين شمش – شوم – اوكن و آشوربانيبال ..... يا ترى الى اين افضت هذه الصراعات؟ 

رأينا كيف ان العلاقة بين آشوربانيبال و أخيه كانت متوترة و كيف كان كل منهما يبدي ودا ظاهريا للآخر في حين يضمر كل منهما عداوة و خوف، و لما خسف القمر في سماء بابل في ليلة التاسع عشر من حزيران من العام 653 قبل الميلاد تأكد شمش – شوم – اوكن انه لن يطيل البقاء ملكا على العرش فالخسوف فأل سوء كما فسره له الكهنة و كان ذلك كفيلا ليوقع شمش - شوم - اوكن في حيرة من امره فتوجه للآلهة عشتار بالصلاة قائلا:

" يا عشتار اشفعي لي امام الهي حتى يحول اقداره المقدرة على خطايا و خزي البلاد، فليثأر و ينقذ موطني، يا ربة من في العلى، يا أم الرحمة لأنك مليكة نجوم لا تحصى أوصيك برب الارباب فليعاملني كما ينبغي. انا شمش – شوم – اوكن الملك العظيم تعيس رغم ان مردوخ الهي و صاربنيتوم سيدتي. بعلامة شؤم و بفأل بلية حلا على قصري و على بلادي، انا مذعور، انا مرعوب، ويل لي و لبلادي، ويل للعرش، ويل للتاج، ويل للكهنة، ويل للضحايا. 
أسبغي علي رداء الفرح و أخلعي عني ثوب السواد. قربان تكفير لإلهي و آلهتي سأنحر حملان من ضياعي. يا أم الرحمة حركي بالرؤى و المنامات رب الآلهة كيما يتحول الى بلاد عدوي و يبيلها بفناء ليس عنه محيد"

أقر شمش – شوم – اوكن ان ساعته قد أزفت.... قد احس بالخطر و أشعرته الآلهة ان اشوربانيبال شهر سيفه عليه و أدرك ان بابل لن تستطيع الصمود في الصراع مع آشور إلا بمؤازرة حلفاء أقوياء يأتي في مقدمتهم العيلاميين .... لكن هزيمة عيلام على يد آشوربانيبال جعله يعيد النظر في امكانياتهم لتصره ضد آشور .... 

في العام السادس عشر من حكم شمش – شوم – اوكن على بابل و المصادف للسنة 652 قبل الميلاد حشدت قوات ضخمة في بابل و بدأت اتصالات بين بابل و الفينيقيين و اليهود و العرب و الكلديين و العيلاميين و مملكة ليديا و مصر و خلال فترة وجيزة تمكن شمش – شوم – اوكن من ان يكون تحالفا واسعا مضادا للآشوريين متكونا من الاقوام و الممالك المذكورة اعلاه.

هل كان آشوربانيبال غافلا عن هذه التحركات؟ وهل تمكن شمش – شوم – اوكن ان يكون هذا التحالف بعيدا عن اعين جواسيس آشوربانيبال؟

يجوز القول ان نشاط شمش – شوم – اوكن بقي خفيا على آشوربانيبال فالكثير من العيون الآشورية ابلغوا نينوى عن تلك الاتصالات المريبة التي كانت تقوم بها بابل مع اعداء الآمبراطورية الآشوري المتمثلة بعيلام و مصر و ليديا و يهودا و غيرهم و قد عثر على رسائل كثيرة موجهة من عيون آشوربانيبال في ارشيفه الخاص في نينوى .... لكن لم يكن هناك تحرك فعال من الاستخبارات الآشورية ضد هذا التحرك.
و في العام 652 قبل الميلاد جهز شمش – شوم – اوكن بعثة رفيعة المستوى الى نينوى لتقديم آيات التبجيل لآشوربانيبال متمنيا ان تبعد هذه الخطوة الانظار عما يقوم به من تحشيد حلفاءه ضد آشور و كان يرمي الى التخلص من رؤوس آشور في بابل حيث تكونت هذه البعثة من الموظفين المخلصين لآشوربانيبال، و في الوقت الذي كان المبعوثون البابليون يتبادلون المجاملات و الهدايامع آشوربانيبال بدأ شمش – شوم – اوكن الثورة و اعلن تمرده.
لم يتوقع آشوربانيبال هذه الانعطافة و لم تكن تحت يده قوى كافية لكي يرسلها على عجل الى بابل و ليس بأقل بغتة فاجأ شمش – شوم – اوكن البابلين انفسهم في ثورته حيث لم يكن كل البابليين على معرفة بتحركات ملكهم.
و بين المفاجاة و الإستيعاب اصبح على البابليين الاختيار بين مناصرة ملكهم او القعود عن التمرد.... كيف تصرف البابليون؟ و ما كانت ردة فعل آشور بانيبال على الثورة و اتجاه البابليين؟ 

راحت الاهواء في بابل تغلي طيلة صيف العام 652 قبل الميلاد و استمر في المجالس الشعبية طرح سؤال واحد ....... ستندلع حرب مع بلاد آشور أم لا؟

هاهو شمش – شوم – اوكن يعلن تمرده و يخاطب حلفاءه اعداء آشور الآزليين ...... و على الطرف الثاني آشوربانيبال لم يبادر الى قمع هذا التمرد ....... و على الرغم من ان البابليين تطلعوا دائما الى التخلص من الحكم الآشوري إلا انهم كانوا مترددين في مناصرة شمش – شوم – اوكن ....

استشعر آشوربانيبال هذا التردد و لذلك حاول ان يستغله بإستمالة البابليين الى جانبه و لذلك نقرأ في إحدى رسائله التي وجهها للبابليين الآتي:

" نصبت أخي الخائن شمش – شوم – اوكن الذي تربطني به علاقة طيبة ملكا على بلاد بابل و قدمت له كل ما يحتاج اليه في المعركة، الجنود و العربات و الخيول و المدن و الحقول و البساتين مع سكانها جميعا وضعتها تحت تصرفه، منحته اكثر مما امر به أبي، لكنه نسى هذا العطف رأيته و قد خطط للشر و كان في الظاهر يتكلم كلمات طيبة و في الباطن يضمر الشر في قلبه، اما البابليون المخلصون لبلاد آشور و الذين كانوا تابعين لي فقد خدعهم بقول الاكاذيب و ارسلهم 

الى نينوى على وفق خطة تنطوي على الخداع لقد أثار الشكوك عندما راح يسألني السلام و التحية، أنا آشوربانيبال ملك بلاد آشور الآلهة العظيمة سادتي إختارت لي هذا المصير، هدتني الى الحقيقة و العدل، دعتني الى وليمة فاخرة مع هؤلاء البابليين، خلعت عليهم خلالها حلل الكتان الزاهية و وضعت الحلقات في أصابعهم و أقاموا مدة طويلة في آشور و هم مهتمون بامري مثبتون لي ان شمش – شوم – اوكن أخي الخائن قد نقض اليمين الذي قطعه لي و غدا يحرض علي سكان اكد، كلديا، الآراميين، و بلاد البحر من عقبة الى الى بلاد سالميتي التابعين الخاضعين لي، أومانيكاش ملك عيلام اللاجئ الذي تمسك بأقدامي الملكية و اجلسته على عرش عيلام فضلا عن ملوك كوتي الميديين و آمورو و ميلوخا، و الذين بامر الاله آشور و بيليت أجلستهم على عروشهم – كل هؤلاء اعلنوا العداء ضدي و ربطوا قواتهم به، كما انه اغلق ابواب سبار، بابل و هكذا كسر رابطة الاخوة و صعد مقاتليه على اسوار هذه المدن و وضعهم امامي في حالة حرب......

و قال في رسالة أخرى:

" أما تلك الكلمات الجوفاء التي أسمعكم إياها ذلك الأخ الخائن فقد بلغت كلها مسامعي و هي ليست الا ريحا ذاهبة فلا تصدقوه لا تصغوا ولاحتى لحظة واحدة الى اكاذيبه، و لا تلطخوا اسمكم المجيد الناصع امامي و امام كل العالم بالغبار و لا تجعلوا انفسكم آثمين بحق الآلهة المقدسة. تذكروا الامتيازات التي منحتها لكم بنفسي، تذكروا اخوتكم مع شعب آشور ... لا تلحقوا الضرر بالحامية الآشورية الموجودة في بابل"

بعد هذه الدعوات من آشوربانيبال، ماذا قرر البابليون؟ 

اعلنت الثورة في بابل و اخيرا قرر البابليون الوقوف الى جانب شمش – شوم – اوكن ضد آشور و انتفضت بابل و سبار و بارسيبا و نفر فيحين امتنعت بعض المدن عن المشاركة كأوروك و ابقت على ولاءها لآشوربانيبال .........

أما بالنسبة لحلفاء شمش – شوم – اوكن فلم يشارك في الانتفاضة الى القبائل العربية التي هجمت على الحاميات الآشورية في سوريا و فلسطين و آسروا الكثير من الآشوريين في حين لم تبدي كل من مملكة ليديا و مصر مساندة حقيقية لشمش – شوم – اوكن...

اما عيلام التي كان يعول عليها شمش – شوم – اوكن كثيرا في نصرته على آشور فلم تبادر للمشاركة مع انطلاقة الثورة ......... و بتقسم قوى الثورى و التحالف بهذه الصورة ولدت الثورة بضعف حيث لم يضرب الحلفاء كلهم بل اكتفى بعضهم بالتفرج ........

مع ذلك حاول شمش – شوم – اوكن ان يتجاوز هذا الضعف عن طريق المباغتة و الهجوم القوي و فعلا شارك القبائل العربية بأحتلال كوثى و حمل تمثال الأله نرجال و نقله الى بابل و عندها سيطر على جميع بلاد بابل الوسطى و قطع الطريق بين آشور و بابل ...

بعد سنة من بدأ التمرد و تحديدا في العام 651 قبل الميلاد تمكن الجيش الآشوري من الوصول الى مشارف بابل و وقعت معركة كبيرة بين الآشوريين و البابليين هزم فيها البابليون و انسحبوا على إثرها الى داخل المدينة .........

و عندما شعر شمش – شوم – اوكن بخطر خسارة الثورة قدم كنز معبد الإيسكالا البابلي الى ملك عيلام أومانيكاش الثاني ثمنا كي يقدم له العون ........ و فعلا كان هذا الكنز كافيا لتدخل القوات العيلامية المعركة ضد آشور....

ترى هل غير دخول عيلام للحرب ميزان القوى؟

 

بعد ان خسر شمش – شوم – اوكن المعركة الاولى مع الجيش الآشوري انسحب الى بابل و طلب مساعدة الملك العيلامي (أومانيكاش الثاني) و قدم له كنز معبد الإيسكالا و بهذه الهدية الضخمة دخلت عيلام فعليا الحرب و ارسلت جيشها الى بابل في العام 651 قبل الميلاد و تقدم العيلاميون ليحاصروا اوروك ...

و جنوبا تحرك نبو – بيل – شوماته ملك القطر البحري (مملكة جنوب بابل) ليحاصر بجيشه مدينة اور و منع المؤنات عنها مما اضطرهم بعد القحط الذي اصابهم الى ان يأكلوا لحوم البشر و بعدها لم يتمكنوا من المقاومة ليستسلموا و يدخل جيش ملك القطر البحري نبو – بيل – شوماته اليها سقطت اور بأيدي تحالف شمش – شوم – اوكن و بسقوطها فصلت بلاد بابل الجنوبية عن السيطر الآشورية بالكامل فسيطر التحالف على اور و بابل و برسيبا و سبار و كوثى و لم يعد هناك في جنوب بلاد الرافدين من هو خاضع للسلطة الآشورية إلا اوروك المحصنة و التي بقيت عصية على المتمردين و أعاقت فرصة توحيد قوات شمش – شوم – اوكن

لكن الآشوريون، أسياد الحرب و صناع فنونها كيف يفقدون زمام السيطرة بهذه الصورة؟ و ما هي ردة فعلهم؟ 

 

دخلت عيلام الحرب و حاصر جيشها مدينة اوروك التي بقيت عصية على المتمردين بعد ان سيطروا على جميع ارجاء جنوب الرافدين و فقدت آشور السيطرة على جنوبي البلاد إلا اوروك و هنا وضع الآشوريون آسياد الحرب أمام أختبار حقيقي يتقرر على أساسه مصير أمبراطورية آشور العظمى .....

 

تحرك الجيش الآشوري و في نيته قطع الطريق بين الجيش العيلامي و جيش شمش – شوم – اوكن و نجحوا في ذلك عندما انتصروا في معركة باب – سام ...... و في العام 650 قبل الميلاد تحرك الجيش الآشوري ليتمكن من أحتلال نفر و إعادتها الى السلطة الآشورية و استطاعوا ان ينتصروا على الجيش العيلامي في ماكنيس ..

 

تحرك الآشوريون على عدة محاور ففي الوقت الذي كسروا فيه شوكة أومانكيش الثاني لك عيلام في الميدان، إستطاعت أجهزة الخدمة السرية الآشورية ان تدبر إنقلابا حكوميا في عيلام على إثره قتل أومانيكاش الثاني و اقربائه...... و على أثر هذه الضربة الموجعة في قلب عيلام و جيشها خرجت عيلام من الحرب...

 

أخذت ثورة شمش – شوم – اوكن تعاني نزعها الاخير حيث وصلت جيوش آشور الى بابل و برسيبا و سيبار و كوثى و حاصرتها .. و انصرفت القوات الاشورية الاخرى في تأمين الحماية للقوات المحاصرة للمدن في حال حاول العيلاميون فك الحصار عن تلك المدن.

 

و كان آشور بانيبال قد اسند مهمة تحرير جنوب وادي الرافدين الى (بيل – ابني) و هو عسكري بابلي موالي للآشوريين أثبت ولاءه يوما بعد آخر ... اعطاه آشوربانيبال حكم القطر البحري اذا ما هزم ملكها المتمرد (نابوبيل – شوماتي) ...... و فعلا تمكن من الانتصار عليه و لكنه لم يتمكن من ان يقتص منه حيث انه و بعد عدة خسائر متوالية هرب الى عيلام و اخذ يدير الحرب منها ... كان (بيل – ابني) لا يقيد نفسه بأوامر آشوربانيبال لانه شعر بأنه أمير القطر البحري و له مطلق الحرية في التصرف في ما يراه مناسبا. أغدق آشوربانيبال عليه العطايا و كرمه....

 

هل استسلمت عيلام لآشور بهذه السهولة وهي العدو التقليدي للأمبراطورية الآشورية؟ ماذا حدث؟

بعد ان حاصر الجيش الآشوري بابل و برسيبا و سيبار و كوثى حاول شمش – شوم – اوكن ان ينقذ بابل من الحصار بأي طريقة فإتصل بالقبائل العربية التي ساعدته كثيرا في تمرده هذا و التي كانت في هذه الفترة تشاغل الحاميات الآشورية في مناطق غرب آشور (سوريا و فلسطين) لمنعها من مساعدة الآشورين في حربهم الداخلية .... لبى الملك اوتيع نداء شمش – شوم – اوكن و ارسل قوات الى بابل بغية فك حصارها استطاعت هذه القوات عمل ثغرة في الحصار المفروض على بابل لكن سرعان ما اصبحت هذه القوات العربية تحت نفس الحصار بعد ان انسحبوا الى بابل....

 

بدأت المؤونات تنضب في بابل و نقرأ في احد النصوص المسمارية القادمة من بابل في العام 650 قبل الميلاد تقول:

 

" في هذه الايام عم البلاد الجوع و العوز حتى ان الام لم تعد تفتح الباب لابنتها.."

 

و بعد سنة من هذا النص و تحديدا في العام 649 قبل الميلاد ورد في احدى الوثائق من بابل العبارة التالية:

 

" المدينة محاصرة في هذه الايام و الجوع و العوز يعمان البلاد و الشعب يموت من شحة الاغذية "

 

و يرد نص آخر لكن هذه المرة على لسان آشوربانيبال جاء فيه:

 

" أكلوا من جراء الجوع لحم أبنائهم و بناتهم، و التهموا الاحذية الجلدية... و اصيبوا بالطاعون"

 

ويكمل متكلما عن العرب:

 

" اما العرب الذين دخلوا بابل فأنهم بسبب العوز و الجوع أكلوا لحم بعضهم "

 

اما ضعاف النفوس من تجار بابل فقد استغلوا الوضع و راحوا يخفون ما في مخازنهم من بضائع و يحبسوها عن الناس ثم يبيعوها بأغلى الاسعار .... و راحوا يشترون العبيد بالجملة و الناس من شدة الحاجة راحت تبيع ابناءها و بناتها عبيدا لهؤلاء كي يحموا انفسهم من الموت جوعا و اضطر بعدضهم الى بيع انفسهم عبيدا ليعيشوا.....

 

اما اشوربانيبال فأراد ان يستغل هذه الفرصة و يخاطب البابليين ليميلهم اليه بعد ان مالت الدفة الى عسكلا اشور فنراه قائلا:

 

" اما انتم، فلم لا تقتلوا من ينبغي قتله؟ لم لا تقبضوا على من ينبغي القبض عليه؟ أن من جاء (يقصد الآشوريون) أكثر منكم عددا و لكن لا تخشوا، احرسوا المعابد أنه (و يقصدشمش – شوم – اوكن) حوصر تماما في المدينة و جنودي طوقوه "

 

و لقت دعوى اشوربانيبال صدى عند بعض البابليين حيث نقرأ في رسالة من احد قادة الآشوريين الى آشوربانيبال قوله:

 

" ثمة مواطن بابلي جاءني و قال: لدي كلام على شفتي، دعهم يوصلوني الى القصر، انا الآن ارسلته الى القصر الى سيدي، فليسأله سيدي الملك اي كلام لديه. أنا ارسلته الى الملك الى سيدي في الثامن و العشرين من الشهر"

استعادت القوات الآشورية زمام الامور بتمكن المخابرات الاشورية من قلب نظام الحكم في عيلام و الانتصار على المتمردين في جنوب وادي الرافدين و محاصرة كل من برسيبا و سيبار و كوثى و اهمها بابل .. و افشال محاولة العرب انقاذ بابل من الحصار الاشوري و وقوعهم في ذات الحصار في بابل حتى حل الجوع و القحط في المدينة الامر الذي اضطر اهلها لأكل لحوم بعضهم البعض و بيع ابناءهم و بناتهم كما ورد في بعض النصوص المسمارية.....

 

و تساءلنا في نهاية الجزء عما اذا كانت عيلام قد استسلمت بعد نجاح المخابرات الاشورية في احداث تمرد ادى الى قلب نظام الحكم، سنحاول ان نجيب هنا عن هذا التسائل حيث انه بعد انقلاب الحكم في عيلام اتى الى سدة الحكم الملك تاماريتو...... ادى هذا الانقلاب الى خروج عيلام من الحرب و لكن ما ان اعاد الملك تاماريتو ترتيب اوراق عيلام حتى دخل بجيشه الى الحرب مرة اخرى ....

 

و صلت القوات العيلامية الى بلاد بابل الوسطى و التقت بالجيش الآشوري بقيادة البابلي مردوخ – شارو – اوسور و حسمت الحرب مرة اخرى المخابرات الاشورية حيث نجحت في احداث انقلاب ثاني في عيلام هرب على اثرها الملك تاماريتو مع اهله و اقاربه عن طريق البحر حتى ظل طريق البحر فانفصل عن اهله و استخدم قاربا شخصيا و افضى به الامر الى ان يهيم على وجهه في البراري  ليسقط شبه ميت من الجوع في يد بيل – ايبيني (قائد القوات الآشورية جنوب العراق) الذي ارسل به اسيرا الى نينوى و يذكر احد النصوص المسمارية على لسان آشوربانيبال:

 

" هرب تاماريتو، اخوته، اسرته، اسرة ابيه مع 85 اميرا و اتباعهم من اندابيكاش. و عن طريق ناكيش زحفوا على بطونهم ثم ظهروا في نينوى. تاماريتو ساجدا بجبينه على قدمي سيادتي الملكية و كنس الارض بلحيته. ثم وقف عند عجلة عربتي و هيأ نفسه لاداء وظيفة العبد لي. راح يتوسل عظمتي لاجري محاكمته و اساعده. لقد وقف امامي و مجد بسالة آلهتي الجبابرة الذين اقبلوا علي للغوث.

 

انا اشوربانيبال القلب الرحب غير المستبدل بالشر، المسامح للخطيئة ... احسنت الى تاماريتو و انزلته سوية مع اسرة ابيه قصري "

 

عقد اشوربانيبال عهد سلام مع الملك العيلامي الجديد اندابيكاش خرجت على اثرها عيلام من الحرب عندها اصبح شمش – شوم – اوكن في عزلة تامة من حلفاءه ..... ماذا حدث ؟؟

بعد ان عقد آشوربانيبال عهد سلام بينه و بين ملك عيلام انسحبت الجيوش العيلامية من الحرب و تبعتها القوات العربية التي اعلنت الولاء لآشوربانيبال و تمكنت من الخروج من الحصار المفروض على بابل.....بالتالي اصبح شمش – شوم – اوكن وحيدا في تمرده و على الرغم من قوة اسوار بابل التي لم تنكسر امام قوة الهجمات الآشورية لكن الحصار الذي ادى الى المجاعة في بابل اوهن المتمردين و اضعف قدرتهم على الصمود و ما عادوا قادرين على الوقوف بوجه القوات الاشورية التي حاصرت بابل لمدة سنتين.......

 

توجه آشور بانيبال الى كاهن معبد شمش و اخذ يسأله ان كان شمش – شوم – اوكن سيهرب من بابل ...... سقطت بورسيبا بيد الآشوريين و احكم الآشوريون سيطرتهم على جنوب وادي الرافدين... عندما شعر شمش – شوم – اوكن بنهايته الوشيكة فلم يعد لديه الى بابل المحاصة و التي نهشتها المجاعة ...... احرق شمش – شوم – اوكن القصر الملكي في بابل و القى بفسه في النار كي لا يقع اسيرا في الآشوريين ........ تبعته زوجته و القت بنفسها الى النار.....

 

ما ان تصاعدت النيران من القصر حتى امر قائد القوات الآشورية قواته بالانقضاض على المدينة و تم الاجتياح و دخل الجنود الآشوريون و راحوا ينهبون و يقتلون و لم يتركوا حتى المعابد مع ان آشوربانيبال منع المساس بها منعا باتا...

 

تم التنكيل بالبابليين تنكيلا دمويا اذ قطعت السنتهم و الثيت جثثهم المقطعة اوصالا طعاما للكلاب و الغربان و النسور و اعلن آشوربانيبال عن هذه المجازر في وليمة كبيرة اعدها لذكرى جده سنحاريب...

 

ورد في احد نصوص اشوربانيبال قوله:

 

" في هذا الوقت كان حظ سكان اكد سيئا مع شمش – شوم – اوكن عندما تآمروا بالشر معه، اذ تفشت بينهم المجاعة حتى أكلوا لحوم أبنائهم و بناتهم و لم يشبعوا، قضموا بقايا الجلود المدبوغة، الآلهة العظيمة التي رافقتني قتلت خصومي و رمت شمش – شوم – اوكن عدوي في لهيب النيران محطمة حياته و ان السكان الذين ساندوا خطط شمش – شوم – اوكن اخي الخائن و عملوا الشر معه خافوا من الموت و لم يرموا انفسهم معه في النار"

ثم يتحدث آشوربانيبال عن الغنائم التي نالها في بابل و معاقبته للمتمردين الذين اذنبوا بحق بلاد آشور كما نرى في النص:

 

" العربات الحربية، عربات الحمل، الهوادج الجواري، ممتلكات قصره جلبت امامي، هؤلاء الرجال و تلك الافواه التي اطلقت الكلام السيء ضد الاله آشور و تآمروا بالشر ضدي، قطعت السنتهم و اتيت بهم خاضعين، كما قطعت اجساد هؤلاء السكان و أرسلتها الى الجحيم و أطعمت أجسامهم للكلاب و الخنازير و الذئاب و النسور و طيور السماء و اسماك الاعماق"

 

و يكمل قائلا:

 

" بعد ان انجزت هذه المأثرة، هدأ غضب الآلهة العظيمة سادتي، و اتى الناس خاضعين لي بسبب تفشي وباء الطاعون بينهم، اما أولئك الذين فقدوا حياتهم خلال المجاعة و العوز، فقد ملأت اوصالهم المقطعة الشوارع و الحارات و تركت أشلائهم للكلاب و الخنازير"

 

وقال في نص آخر:

 

" سكان اكد، الكلديون، الآراميون، سكان القطر البحري الذين اغراهم شمش – شوم – اوكن و ساندوه في تمردهم ضدي، بأمر الآلهة العظيمة التي ساعدتني سحقتهم بقدمي حتى الحدود البعيدة. سلطة الإله آشور التي نبذوها فرضتها عليهم، الحكام و مدراء المناطق فرضت عليهم الجزية الملكية مع الضريبة التي يدفعونها سنويا و من دون تأخير"

بعد ذلك امر آشوربانيبال تنظيم الشعائر الكهنوتية و طهر المزارات و نظف الشوارع ثم ادى صلاة التوبة و أعاد تقديم القرابين للمعابد الى ماكانت عليه في الايام القديمة. حافظ آشوربانيبال على بابل كما انه لم يعرض جميع البابليين للقصاص بل ان التنكيل طال بالاساس النشطاء من انصار شمش – شوم – اوكن الذين دفعوا الثمن غاليا.

دفنت رفات شمش – شوم – اوكن و زوجته في ضريح اعد بشكل خاص لهما و بأمر آشوربانيبال.

 

 

مصادر البحث:

 

  • اسرار بابل تأليف بيلافسكي

  • مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة تأليف طه باقر

  • آشوربانيبال سيرته و منجزاته تأليف رياض الدوري

 

تم

 

علي طالب 

bottom of page